وسط أصوات القنابل ونزيف الدم والدمار الذى يحيط بنا من كل جانب.. فى العراق وسوريا وليبيا واليمن وأخيرا فلسطين.. يصر الرئيس عبد الفتاح السيسى على زراعة الأمل فى مصر.. على إضاءة شمعة وسط الظلام.. لقد أدرك الرجل أن الأمل دائما يسبق العمل.. وأن المشروعات الكبيرة التى يخطط لها تحتاج إلى أياد غير مرتعشة وغير يائسة. فالتغيير الأهم ليس على الأرض ولكن داخل النفوس.. والحقيقة أن صفات سلبية كثيرة قد ترسبت داخل نفوس المصريين طوال العقود الثلاثة الماضية فكان لابد من «شحن» تلك النفوس.. بجرعات متتالية من الأمل خصوصا بعد أن كاد اليأس يسيطر على المصريين فى مرحلة «حكم الإخوان» ورغم أنها كانت مرحلة قصيرة فإنها كانت مركزة.. فالظلام الذى عم المصريين فيها كاد يخفى شكل المستقبل . هناك قانون علمى يقول: «إن المعدن الذى يكتسب الحرارة ببطء يفقدها ببط ء أيضا وقد اكتسبت الشخصية المصرية صفاتها السلبية ببطء وفقدت صفاتها الإيجابية ببطء أيضا.. فكان لابد لها من «الشحن» أولا فلا فائدة من عمل «مشروعات» حية بينما الإرادة لدى الناس خاملة أو مسترخية أو فى أسوأ الظروف يائسة.. لذلك نرى الرئيس عبد الفتاح السيسى فى سباق مع الزمن.. وقد بدا ذلك جليا حين أخبره المتخصصون أن حفر قناة السويس الجديدة الموازية للقناة الأخرى يحتاج ثلاث سنوات.. قال: «بل يمكنكم إنجازها فى سنة واحدة» وبالفعل.. وبالإرادة.. وبالأمل الذى بثه فى نفوس العاملين.. أمكن لهم أن يحققوا إنجازا ملحوظا حيث وصل حجم الحفر يوميا إلى مليون متر مكعب. وكما ينتقل اليأس من فرد إلى فرد حتى يعم الجماعة كلها.. ينتقل الأمل أسرع بحكم إشرافه على المستقبل.. لذلك نرى مشروعات يومية.. وإصلاحات يومية.. فى الزراعة.. والصناعة والتعليم.. وأريد أن أتوقف هنا عند التعليم خاصة لأنه البنية الأساسية فى تكوين الإنسان المصرى الآن ومستقبلا.. فعلاوة على الخطة الطموح لبناء ثلاثة آلاف مدرسة خلال ثلاث سنوات بدأت ببناء ألف هذا العام.. يتوازى مع ذلك بناء التلاميذ أيضا.. فقد تم تغيير ثلث المناهج المقررة هذا العام بما يتماشى مع النهضة المرجوة لمصر.. كما اجتمع وزير التعليم د. محمود نصر بعد أن عرف مدى تأثير الإعلام المرئى فى نفوس الشباب بكتاب المسلسلات والمخرجين والمنتجين وأبدى لهم استعداده بالمشاركة الإيجابية ماديا ومعنويا فى عملية الإنتاج هادفا إلى تقويم ما يعرض على الشاشات بما يحمل من أفكار سلبية ولغة متدنية. تقول الأسطورة الإغريقية القديمة «إن الآلهة حين خلقوا العالم أشفقوا على البشر من الشرور القادمة لهم فى الحياة.. فجمعوا كل الشرور ووضعوها فى صندوق سموه «صندوق بندورا الهامس» لكن الشرور داخل الصندوق ظلت تهمس للإنسان عبر الأجيال ترجوه أن يفتح لها الصندوق مدعية أنها فراشات جميلة ستملأ الدنيا بهاء وجمالا.. وخدع الإنسان وفتح لها فانطلقت الشرور واحدة وراء الأخرى وأدرك الإنسان حين أذاه شرها أنه أخطأ فأغلق الصندوق على ما بقى فيه من فراشات.. ولم يكن به غير فراشة واحدة.. أغلق عليها الصندوق وأقسم ألا يفتحه بعد ذلك» تلك الفراشة هى فراشة «الأمل» وهى آخر مايبقى للإنسان حين تحيط به وساوس اليأس والإحباط. ويخبرنا التاريخ أن الإسكندر الأكبر أراد أن يثقف نفسه فسأل عن أحكم الحكماء فى عصره فدلوه على «أرسطو» حكيم اليونان الشهير فاتخذه معلما له.. ولأن أرسطو فيلسوف أخبر الإسكندر أن كل القادة الذين سبقوه كانوا يهدمون الممالك التى يفتحونها ويشردون أهلها أما هو فعليه ألا يكون مثلهم.. عليه أن «يبني» بدلا من أن «يهدم» واستمع الإسكندر لكلام معلمه ونفذه وظل يبنى فى كل دولة يفتحها مدينة حتى أنشأ عشرات المدن ومنها مدينتنا الإسكندرية.. والتى تحمل اسمه. إن القادة العظام هم الذين يبنون هم البناءون العظام الذين ينظرون إلى المستقبل ويعملون للتاريخ حسابا فما أسهل الهدم وما أصعب البناء.. و مصر اليوم تبنى نفسها وتسابق الزمن.. بالأمل أولا ثم بالعمل. وليس بالعمل وحده يحيا الإنسان. لمزيد من مقالات بهيج اسماعيل