التقدم الذى أحرزته مباحثات سد النهضة الأخيرة يبشر بالتوصل الى حل للمشكلة التى تهدد شريان الحياة بمصر شريطة البناء عليه بالروح الايجابية نفسها التى سادت الجولة الأخيرة.فلم يكن منتظرا إنجاز حل كامل لهذه المشكلة المعقدة فى جولة واحدة أو أن تتحول اثيوبيا عن موقفها فجأة ولكن النتيجة أحيت الأمل فى حل يحقق الحد الأدنى من مصالح الطرفين. أهم ما أسفر عنه الاجتماع هو الاتفاق على قيام مكتب استشارى دولى محايد باجراء دراستين اضافيتين حول التأثيرات المحتملة للسد الاثيوبى اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا على مصر والسودان وعن التزام اثيوبيا بتنفيذ توصياته وهو أحد مطالب مصر الرئيسية. فهاتان الدراستان كان قد أوصى بهما الخبراء الدوليون الذين تم الاستعانة بهم من قبل لكن أديس أبابا راوغت فى تنفيذهما. كما تم الاتفاق على أن يكون الرأى النهائى للخبراء الدوليين عند أى خلاف وووافقت اثيوبيا على ألا تتجاوز مدة الدراستين ستة أشهر أى قبل الانتهاء من المرحلة الأولى من بناء السد وفقا للتصميم الذى تم عرضه على مصر عام 2010 بأن يكون ارتفاعه 90 مترا وحجم بحيرته 14٫5 مليار متر3 فلا يضر كثيرا بحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل. ورغم أن وزير الرى الاثيوبى ألمايو تجنو أكد تمسك بلاده ببناء سد النهضة بتصميمه الحالى الا أن وزير الرى المصرى حسام مغازى فسر ذلك بقوله انه قصد مواصلة بناء المرحلة الأولى من السد التى تخزن 14٫5 مليار متر3 فقط والتى سيتم الانتهاء منها فى سبتمبر 2015 بعد أن يكون قد تم الانتهاء من الدراستين اللتين أوصى بهما الخبراء الدوليون بستة أشهر، وبذلك يمكن تدارك أى أضرار يحددونها.وقال مغازى ان مباحثات الخرطوم لم تتطرق الى سعة بحيرة السد ولا سنوات ملئها لأن ذلك دور المكتب الاستشارى.ورغم أن هذا التفسير يبدو منطقيا الا أن قول الوزير الاثيوبى صراحة للصحفيين بعد انتهاء المؤتمر انه لا يوجد سبب لاعادة النظر فى بناء السد من حيث الحجم أوسعة التخزين، يبدو مطلقا وليس مقصودا به المرحلة الأولى وحدها، واذا كان ذلك كذلك فانه يعنى أن اثيوبيا لا تنوى تغيير موقفها ولا العمل لتهدئة مخاوف مصر حتى ولو أوصى الخبراء الدوليون بتعديل مواصفات السد،الأمر الذى يدخل القضية فى طريق مسدود من جديد خاصة أن مغازى صرح بأن اتفاق الخرطوم لا يعنى موافقة مصر على إنشاء السد بشكله المعلن ولا على سنوات ملء خزانه (6 سنوات) ولا سعته التخزينية (74٫5 مليار متر3).كما لم يتم الاتفاق على موعد لجولة المفاوضات التى تقرر عقدها بالقاهرة ولا لزيارة وزيرى الرى المصرى والسودانى لموقع السد تلبية لدعوة من الوزير الاثيوبى الأمر الذى يجعل اتمامهما رهينة لأى خلاف. أغلب الظن ان الجانب المصرى لم يثر مطالبه بخفض ارتفاع السد الى 90 مترا وسعة خزانه الى 14٫5 مليار متر3 كما كان فى التصميم الأصلى ولا وقف الانشاءات لحين الانتهاء من الدراسات التكميلية ولا مد مدة ملء الخزان حرصا منه على انجاح المباحثات مفضلا تركها للخبراء الدوليين الذين أعلنت اثيوبيا التزامها بتنفيذ ما يقررونه، وقال مغازى ان هذه الأمور ستحسمها القاهرة بعد استكمال الدراسات الخاصة بالسد.وحتى يصدر الخبراء توصياتهم يحذر خبراء مصريون من أن يصبح سد النهضة بشكله المرفوض أمرا واقعا بمرور الوقت قائلين ان ملء خزانه مثلا يجب أن يتم على مدى 39 سنة وليس ست سنوات حتى تتحمله مصر.فالدكتور نصرعلام وزير الرى الأسبق حذر من أن بناء السد بتصميمه المعلن ينقص من حصة مصر المائية 20 مليار متر3 سنويا ويمكن أن يؤدى الى جفاف بحيرة السد العالى خلال ثلاث سنوات.وأشار الى أن اثيوبيا لن تكتفى بسد النهضة بل تعتزم بناء ثلاثة سدود أخرى تحجز 140 مليار متر3 من مياه النيل فى خزاناتها.وحذر من أنه اذا وافقت مصر على السد بمواصفاته الحالية سيدفع ذلك دولا أخرى فى حوض النيل لبناء سدود لأنها ستكون من وجهة نظرهم قد بدأت تتنازل عن جزء من حصتها. فهل تستمر الروح الايجابية الجديدة التى سادت جولة المباحثات الأخيرة نتيجة للقاء السيسى- ديسالين فى يونيو الماضى على هامش القمة الافريقية حتى تنتهى المفاوضات باتفاق يحافظ لمصر على حقوقها المائية المكتسبة على مر التاريخ ويحقق لاثيوبيا مطلبها المنشود فى التنمية؟.لقد توقفت تقريبا الحملات الاعلامية التى قال الوزير الاثيوبى انها كانت عائقا للتوصل لاتفاق، وأكدت القيادة المصرية مرارا على حق اثيوبيا فى التنمية، ولكن دون اضرار بمصر.أما الحقائق على الأرض ففى صف مصربصورة واضحة، فبينما لا يوجد بها نهر غير النيل يوجد فى اثيوبيا 12 نهرا،ونصيب المصرى من المياه 625 م3 فقط مقابل 38 ألف م3 للاثيوبى فى السنة،ويسقط على مصر أقل من 1٫3 مليار م3 أمطار سنويا بينما يهطل على اثيوبيا أكثر من 800 مليار م3 أى ما يعادل 50% مما يسقط على كل دول حوض النيل. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى