بالرغم من أننا مقبلون على أزمة كبرى، ألا وهى أزمة المياه، فإن البعض منا لا يعيرها اهتمامه وحرصه، بإسرافه وإهداره، للقليل المتاح لدينا، فى أغراض غير مفيدة، مثل غسل السيارات أو ترطيب الجو، دون حساب أو ترشيد، وفى ظل معاناتنا اليومية نتيجة أزمة الكهرباء، نجد من بيننا غير المبالى بحجم الأزمة، وتأثيرها على مختلف مناحى حياتنا، حيث يقوم بالإسراف فى استهلاكها فى استخدامات غير نافعة، وتحت وطأة معضلة "المرور" الخانقة فى شوارعنا، نشاهد أنفسنا لاعبين فى ذلك "السيرك"، دون وعى، فترى نفسك تسير عكس الاتجاه، للحاق بمشاغلك اليومية، وآخر ينتظر فى "الممنوع"، وغير ذلك من الأفعال التى تصدر منا وممن حولنا دون وازع دينى، أو رادع أخلاقى يمنعنا من ارتكابها، حياءً من فداحة خطئها، الذى ندركه جيدًا قبل ممارسته، وكأنه أصبح أسلوب حياتنا قائمًا على مشاهدة الخطأ، وتبريره، وعدم الاعتراض عليه، بل الأدهى أن نمارسه، لأن غيرنا ارتكبه، وأصبح "عادة".
والأغرب فيما سبق، أن رادعنا أصبح خوفنا من المساءلة، وليس الاستحياء من ارتكاب الخطأ، وهذا الخوف أصبح الشىء الوحيد الذى يمكن أن يمنعنا من ممارسة أخطائنا، فمثلا عندما ألزمت المحافظة أصحاب المحال الذين يهدرون المياه بإلقائها أمام محالهم بدفع غرامة، ثم تدرجت العقوبات حتى وصلت إلى سحب تراخيص تلك المحال، توقف هؤلاء عن إسرافهم، خوفًا وليس حياءً، وعند مجرد مشاهدتنا أحد الشرطيين يحمل دفترًا للمخالفات، أو إحدى سيارات المرور، نلتزم بجميع آداب المرور، وتجد الشارع مثالًا لشوارع الدول المتحضرة، خوفًا وليس حياءً. تلك هى القضية الآن، التى تثير أسئلة محيرة فى نفس المتابع للشخصية المصرية، الخوف لا الحياء، فما الذى أوصلنا لتلك الحالة؟!، فإجابتنا عن هذا السؤال، ومعرفتنا السبب الحقيقى، ستصل بنا لعلاج مختلف مشكلاتنا، التى عالجتها الأمم المتحضرة، منذ زمن بعيد، عندما توصلت للسبب الحقيقى، الاستحياء من ارتكاب الخطأ، فالحياء شعبة من شعب الإيمان فى الإسلام، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم، لابد أن نتحلى بها، وبالطبع توجد أسباب أخرى كثيرة لتقدم الأمم، ولكن عند تفكيرنا العميق فى تلك الفضيلة "الحياء"، سنجد أنها تنبع منها جميع القيم، التى تنهض بالأمم من أزماتها، لو صدقت نواياها. ** من الرائع أن تجد كلماتك واقعًا ملموسًا، هذا ما شعرت به الأيام الماضية عند رؤية القاهرة تستعيد وجهها الحضارى، فتذكرت مقالى "الاستعمار الداخلى". لمزيد من مقالات حسنى مبارك