لا تسمح للراقصات الرخيصات اللائى يتوجعن فى الفضائيات «الأرخص» باحتلال تفكيرك الآن ، دعهن هناك وتأمل معى كيف أبدع المصريون رقصاتهم العظيمة قبل أن ينهار كل موروثنا الشعبى ويتحول إلى « حرام « أو « ابتذال»، ، فإذا كان الإنسان قبل أن يعرف اللغة قد استخدم الجسد ليحكى مغامراته لأصدقائه فى صيد الغزلان والهروب من الضباع والوحوش ، فإن المصريين أعادوا تشكيل وجدان الإنسان وجعلوا الرقص حياة تكتب ميلاد الأبناء وترسم أفراحهم ، وفى ربوع بلادنا تتنوع الرقصات وتصنع البهجة كما لم يخطر على قلب بشر ، ويمكنك أن تلمس أشكالاً من الإبداع المصرى فى رقصة «الحنة السويسى» تختلف عن النشوة التى تحسها فى « الصهبة الإسكندرانى» ولا تقل جمالاً عن «الضمة البورسعيدى» بل يمكنك أن تجد متعة فوق المتعة فى «الرقص البلدى» الذى هو خلطة مصرية خالصة قبضها الله من الجنة ونثرهاعلى بنات النيل ، وابتكر الريف رقصاته وصنعتْ المُدن أشكالاً متنوعة من الرقص ، ومن يقرأ الكتاب الشيق «أطلس الرقصات الشعبية المصرية» للباحث « سمير جابر» الذى صدر عن المركز القومى للمسرح ضمن سلسلة دراسات فى الفنون الشعبية يعرف أن أبناء بورسعيد احتفظوا برقصة «الضمة «منذ حفر قناة السويس (1859 1869) حيث يشير الباحث إلى أن آلاف العمال والمزارعين والحرفيين القادمين من قرى ونجوع مصر كانوا يتسامرون بعد يوم شاق ويبدع أبناء كل مديرية فى تقديم موروثه الخاص حتى تجمعت «ضمة الأحباب « وعاد الجميع إلى ديارهم وبقيت الضمة بطعمها البورسعيدى حتى اليوم . وفى الستينيات كانت مسارح العالم كله تتنظر عروض فرقة رضا التى صنعت حالة مصرية خالصة ببراعة الموهوبة فريدة فهمى ،وتعامل عبد الناصر مع أعضاء الفرقة باعتبارهم سفراء من حقهم «الحصانة» بجواز سفر خاص داخل مطارات العالم . وبما إننا نصنع مشروعاً وطنياً كبيراً ونعيد مجد الأجداد فلماذا لا تذهب الفنون إلى العمال على شط القناة ؟ لماذا لا نعيد ترميم تراثنا الشعبى ونقدمه للناس من خلال سهرات يومية للرجال الذين يصنعون تاريخاً هناك؟،اعتقد أن المسألة ليست صعبة، ومن حسن الحظ أن وزير الثقافة هو التنويرى جابر عصفور، المصرى وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة هو الدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ بآداب القاهرة ، ورئيس هيئة قصور الثقافة الجديد هو الشاعر مسعود شومان الباحث فى الفولكلور والذى جمع مئات الرقصات والأزجال الشعبية من اسكندرية إلى حلايب وشلاتين، ماذا ينقصنا إذن لنعيد تقديم الفن المصرى ،ونحمى وهذا هو الأهم مشروع حفر القناة الجديدة من الطحالب الفنية اللزجة التى تذهب فى شوهات إعلامية لزجة وممسوخة كأنما تتعمد تبويخ وتبويظ وتشويه المشهد الجميل.