بعض الحكايات القديمة لا يصدقها الناس الا إذا كانت موثقة ومدعومة بالوثائق والأوراق الرسمية والا فإنهم يعتبرونها قصصا من وحى خيال كتاب التاريخ والرواه، وهو ما ينطبق على الحكاية التى سوف أسردها اليوم وهى عن الطلب الذى تقدم به المسيو « لورى « المقاول الفرنسي الجنسية الى الحكومة المصرية عام 1908 والذى يطلب فيه السماح له بإقامة سكة حديد ضيقة ( ديكوفيل ) - أى تعمل بواسطة قاطرة بخارية صغيرة - لنقل الأحجار فيما بين محاجر المقطم وشاطئ النيل الى جنوب بلدة طرة .... وقد تقدم المسيو لورى بهذا الطلب الى نظارة الأشغال العمومية التى أحالته بدورها الى نظارة المالية للبت فيه وقد أفادت المالية فى 26 أبريل 1908 بأنه يمكن الموافقة على طلب مسيو « لورى « بإقامة السكة الحديد بشرط أن يدفع إيجاراً سنوياً يقدر بعشرة مليمات عن المتر الطولى من الأرض التى يشغلها هذا الخط ... هكذا بمنتهى البساطة والسرعة تسمح الحكومة المصرية لمقاول أجنبي بمد سكة حديد لخدمة مشروعاته ونقل الأحجار التى يحتاجها فى أعمال البناء من المحاجر الى مكان أخر بشرط أن يدفع ما تقرره الدولة وتم إرسال هذه الموافقة الى مجلس النظار الذى كان يرأسه مصطفى باشا فهمى فى ذلك الوقت وهو بالمناسبة والد السيدة صفية زغلول زوجة سعد زغلول .... ولكن مجلس النظار لم يكتفى بشرط وزارة المالية بل أرسل خطاباً وافياً بخصوص هذا المشروع الى نظارة الأشغال العمومية يؤكد فيه الموافقة على الترخيص للمسيو « لورى « المقاول بإقامة سكة حديد صغيرة فيما بين محاجر المقطم وشاطئ النيل الى الجنوب عن بلدة طرة تسير عرباتها بالبخار وتكون سعتها بين القضيبين 60 سنتيمتراً وذلك بالقيود الآتية ؛ أولا أن يدفع أجرة سنوية قدرها عشرة مليمات عن كل متر طولى من الأرض التى يجتازها هذا الخط حسبما قررت نظارة المالية وثانياً يقيم المرخص له مجازاً تحت سكة حديد حلوان على نفقته الخاصة وتكون إقامته طبقاً لمرام نظارة الأشغال العمومية وشركة سكة حديد حلوان وثالثاً يودع المرخص له ضماناً عينياً قده خمسون جنيهاً مصرياً ورابعاً تكون مدة الرخصة خمسة عشر سنة ، على أن يتم إخطار نظارة المالية بهذه القرارات لتنفيذها . وبهذا تعد هذه الوثيقة من أندر الوثائق القديمة فلم يكن من المألوف السماح بإقامة سكك حديد خاصة لخدمة أغراض تجارية أو صناعية الا فى أضيق الحدود ومع إتخاذ كافة الاحتياطات التى تسمح بضمان سيطرة الحكومة على هذه السكك الحديدية الصغيرة ، إما الطريف فى الأمر فهو الضمانة المالية التى وضعتها الحكومة لتكبيل المقاول ( خمسون جنيها) وهو مبلغ وإن كان عظيم بمقاييس زمان الا انه تافه ولا يصدق هذه الايام بالإضافة الى الأجرة السنوية التى قدرتها وزارة المالية وهى عشرة مليمات عن كل متر وهو بالطبع مبلغ زهيد مقارنة بالفائدة التى من المتوقع أن تعود على المقاول ولكن يبدو أن الحكومة أرادت تمرير هذا المشروع لتسهيل أعمال البناء وإعمار المناطق التى يعمل بها هذا المقاول وعمار يا مصر ً. [email protected]