وثيقة هذا الأسبوع رائعة وتمس احتياجات البشر الأساسية وهى الحاجة الى الماء الطاهر لزوم الشرب والاستخدام اليومى وهى تقدم دليل أكيد على اهتمام الحكومة المصرية فى القرن التاسع عشر بالمواطنين وحاجاتهم الأساسية حتى وإن كانوا بعيداً عن العاصمة (مصر المحروسة) ، فالأوراق التى أعرضها تحكى عن حاجة فقراء رشيد للمياه وكيفية قيام الحكومة بتوفيرها فى عام 1890 وتقول الوثيقة الموجهة من نظارة الداخلية الى نظارة الأشغال العامة وهى المختصة بهذا النوع من الطلبات: «إن حضرة محافظ رشيد بعث مكاتبة للداخلية بشأن الصهاريج المراد النظر فى مصاريف ملأها لأجل مشروب فقراء الاهالى أثناء ملوحة مياه نهر النيل برشيد وتم الرد عليه بإن الترعة الحلوة التى وصلت الى رشيد تتوافر بها المياه العذبة وبها يستغنى الحال عن ملو الصهاريج « ثم أرسلت المحافظة مكاتبة أخرى أكدت فيها أنها استأجرت (سقا) لأخذ المياه من الصهاريج للفقراء الموجودين بالبندر وبلغ ثمن الأدوات المستخدمة مع أجرة السقا 486 قرشا وعشرة فضة وأن المحافظة خاطبت تفتيش رى قسم ثالث بطلب صرف وتحويل المبلغ فأفاد التفتيش بأنه غير مكلف بالدفع وان سوابق صرف مبالغ كهذه كان غلطاً» .... ولكن المحافظة لم تيأس فقالت أن ميزانية المحافظة لا يوجد بها مصروفات كهذه وأنه من المعتاد صرف مثل هذه المبالغ من التفتيش وأن الموضوع قد انتهى فلذلك يلزم الأمر بالصرف » ثم الحقت المحافظة بالطلب وثيقة أخرى عليها تفصيل وبيان للصهاريج التى تم فتحها وملؤها بالمياه لزوم مشروب أهالى رشيد فى عام 1890 وهى صهريج أبو على ملك أحمد أفندى شهاب وشركاه وصهريج بيت الجمل وصهريج محمود فهمى وعددهم 3 صهاريج إستخدمت 29 الف و400 قربة مياه فقط لا غير ثم قدمت الوثيقة بياناً تفصيلياً للمصاريف تتضمن أجرة محمد زغلول السقا ( 419 قرشا) عن 104 أيام عمل بالإضافة الى مصاريف شراء أشياء وتصليح صفايح فارغ غاز وربط الأحبال وثمن شراء قمع صفيح لزوم ملء البلاليص بالإضافة لعشرة قروش لزوم شراء عدد 4 حبل تيل من طرف الحاج يوسف المصرى لزوم إستخراج المياه من الصهاريج ليكون المبلغ المطلوب فى النهاية 468 قرش وعشرة فضة. وإستمر الحال على هذا المنوال لمدة أربع سنوات وبالتحديد حتى أكتوبر 1894 حينما أرسلت نظارة الداخلية خطاباً الى نظارة الأشغال العمومية تقول فيه إن محافظ رشيد خابر الداخلية أنه فى السنوات الأخيرة كان جارياً إنشاء سد محلة الأمير ولذلك كان يتم ملء الصهاريج لمشروب فقراء أهالى رشيد ولما قررت الحكومة عدم حصول السد المذكور فقد تم الرجوع الى مفتش صحة رشيد فى موضوع ملء الصهاريج من عدمه فأفاد بأنه يرى حرصاً على صحة الأهالى ملأها كالمعتاد لإحتمال تغلب واختلاط الماء المالح بماء النيل عند انخفاضه فيصير غير صالح للشرب، على ألا يخرج هذا العمل عن المصاريف المقررة بالمحافظة ... فتم إرسال مخاطبة لجناب مفتش عموم الرى للتأكد والإفادة بخصوص توقف مشروع سد محلة الأمير للبت فى موضوع مياه الصهاريج. ومن هذه الوثائق يتبين أن مصر فى القرنين التاسع عشر والعشرين كانت أكثر تقدماً من كثير من الدول التى نشعر أمامها بالانبهار. [email protected]