علي مدي48 ساعة أو أكثر قليلا, تعرفت عن قرب علي أروقة المؤتمر السنوي للجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية' إيباك'AIPAC. والتي توصف بأنها كبري جماعات الضغط في الولاياتالمتحدة وسط حضور إعلامي ودبلوماسي عربي محدود للغاية وهذا المؤتمر تنطبق عليه مقولة' ليس من سمع.. كمن رأي'.. فمهما تسمع من تحليلات وتقرأ من أخبار فإن ذلك لا يوازي حضور الجلسات الفرعية الكثيرة التي تناقش أدق تفاصيل العلاقات بين إسرائيل والعالم الخارجي وفي المقدمة منها العلاقة مع الولاياتالمتحدة والدول المجاورة في الشرق الأوسط وبالقطع تطور عملية السلام مع الفلسطينيين, والموقف من إيران. مسار المناقشات في الجلسات المفتوحة والمغلقة واحد تقريبا, والمتحدثون علي تنوعهم يتفقون في التوجهات بنسبة مائة في المائة, والغالبية الساحقة من الحضور الذي تجاوز7500 شخص من الأمريكيين اليهود والإسرائيليين من بينهم1300 شاب وفتاة من طلبة الجامعات الأمريكية يرتبطون باليمين الإسرائيلي, الذي يري في عملية السلام تهديدا حقيقيا لأمن إسرائيل, مادامت الإدارة الأمريكية الحالية تحاول استرضاء العرب علي حساب اليهود في إسرائيل وبالتالي تحولت الجلسات إلي استفتاء علي ضرورة دفع الإدارة بعيدا عن مسلك الضغط وهو ما تجلي في كلمة بنيامين نيتانياهو في الليلة الختامية عندما قال' القدس ليست مستوطنة' في رفض واضح للمطلب الأمريكي بوقف الإستيطان في القدس وضواحيها. وفي مشهد متكرر في مثل هذه المؤتمرات, حشدت' إيباك' عددا كبيرا من المستشارين الحاليين والسابقين للحكومة الإسرائيلية في ملف السلام, وهو مصدر مهم لمعلومات اليهود الأمريكيين نحو فهم أفضل لطرق التفاوض مع الفلسطينيين والعرب, وجاءت نسبة كبيرة من الشروحات تحمل وجهات نظر سلبية إزاء السلوك التفاوضي العربي, وبخاصة الفلسطيني, وفي الأغلب الأعم ركزوا علي موقف رئيس السلطة الفلسطينية الرافض للعودة إلي مائدة التفاوض قبل وقف الاستيطان, باعتبار ذلك من وجهة نظرهم ذريعة للتسويف تقف من ورائها الدول العربية التي لا تريد الحل. وقد ساد مناخ المؤتمر حالة من الاستنفار من مواقف الإدارة الأمريكية الأخيرة حول القدس, وهو ما دعا المتحدثين في الجلسات العامة وبخاصة النواب اليهود في الكونجرس إلي تأكيد أن القدس هي عاصمة إسرائيل ولن يقبلوا بممارسة ضغوط علي إسرائيل في هذا الشأن. ومن ناحية أخري, حدد رئيس الإيباك مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي سوف تقوم بها منظمته في الشهور المقبلة لتقليل عزلة إسرائيل علي المسرح الدولي ووقف ما سماه بخطة' حجب الشرعية عنها' وهي. بدء حملة لضم إسرائيل لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وحلف شمال الاطلنطي, وحصول إسرائيل علي تمثيل طبيعي في الأممالمتحدة بما في ذلك تقدمها للحصول علي مقاعد العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي, وإنهاء المقاطعة العربية- رغم صعوبة تحقيق الهدفين الأخيرين. وقد جاءت فقرات كلمة نيتانياهو منتقاة بشدة لتعبر عن هذا التوجه الجديد, ولم تكن مجرد عبارات عنترية عندما قال' إسرائيل يجب أن يحكم عليها وفقا للمعيار الواحد الذي ينطبق علي كل الأمم' في إشارة إلي بداية تعامل مختلف مع الأممالمتحدة التي يرونها متعاطفة مع العرب. وكانت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية قد خاطبت' إيباك' قبل نيتانياهو بساعات قائلة' حل الدولتين هو الذي سيسمح لإسرائيل بالتمتع بالاعتراف بإسهاماتها علي المستوي الدولي'. كما حفلت جلسات المؤتمر بأحاديث عن ضرورة التعامل مع إسرائيل كدولة' طبيعية' وأن الإعتراف الفلسطيني الكامل بتلك الدولة لابد أن يسبق إعلان الدولة الفلسطينية في إطار التسوية السلمية, وهو رد اليمين المحافظ الأمريكي علي نقد قوي اليسار الأمريكي التي تدين الممارسات الإسرائيلية والسلوك الاستيطاني, وهو النقد الذي تزايد في الآونة الأخيرة وبخاصة بعد تأسيس منظمة' جي ستريت' المطالبة بسرعة حل القضية الفلسطينية حتي تخرج إسرائيل من المأزق الأخلاقي الذي تشكله سياسة وضع شعب آخر تحت احتلال بغيض. واللافت أن' إيباك' خصصت جلسة لمناقشة' سلوك الجماعات المعادية لإسرائيل' في المجتمع الأمريكي وهو ما يعني أن تلك الأصوات باتت مصدر تهديد لجماعة الضغط القوية التي عملت منفردة لزمن طويل. والمهمة الرئيسية لجماعة الضغط الكبري في المؤتمر السنوي هي إذابة الخلافات بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية والمهمة الثانية هي نزع المصداقية عن خصوم ومنتقدي إسرائيل. وعلي حد قول خبير أمريكي, هذا الفعل يوحد طاقتي الحكومتين من أجل الدفاع عن مصالح إسرائيل في شكل علمي وعملي منتظم. في حالة التنافر الحالية بين بارك أوباما ونيتانياهو ورغبة الإدارة الأمريكية في ممارسة قدر من الضغط علي تل أبيب لاستئناف محادثات السلام, يبرز دور' إيباك' في تحجيم الضغط بحشد اليهود من جميع أنحاء أمريكا وراء هدف واحد, وهو توصيل رسالة إلي الرئيس الأمريكي وكبار معاونيه بالعودة إلي السياسة التقليدية' أمريكا وإسرائيل في خندق واحد'.. وهو التنافر الذي حدث في السابق بين جورج بوش الأب واسحاق شامير وصعدت خلاله' إيباك' ضد الرئيس ووزير خارجيته جيمس بيكر. هذه المرة, أوباما في أوج قوته بعد تمرير القانون الجديد لإصلاح الرعاية الصحية, والتلويح بمساندة الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر غير مجدي لليهود أصحاب الميول الديمقراطية, وبالتالي لابد من معادلة جديدة تقوم علي تجنيد الكونجرس كقوة مضادة للبيت الأبيض لوقف تصعيد الضغوط. في اليوم الثالث, انطلقت قوافل إيباك في اتجاه الكونجرس في صورة مجموعات موزعة علي مكاتب الأعضاء في الشيوخ والنواب لتوصيل رسالة أن حماية أمن إسرائيل مسئولية أمريكية, سواء كان الأمر يتعلق بمواجهة الطموح النووي الإيراني, أو الكف عن الضغط علي إسرائيل للتوصل إلي تسوية في الصراع مع الفلسطينيين, وتذكيرهم أن القدس ستكون امنة ومفتوحة للجميع لو بقيت موحدة تحت الإدارة الإسرائيلية مثلما سارت المناقشات في المؤتمر الأخير.. هذه المنظمة تقوم بنصف مهمة المسئولين الإسرائيليين في واشنطن, وتترك النصف الباقي للحكومة الإسرائيلية, ومواجهة أفعال' إيباك' لن تكون إلا بعمل مماثل حتي لا نظل نسأل أنفسنا عن سر قوتها ولا نكلف أنفسنا عناء البحث في أسباب تلك القوة. حقا, نحن لا نفهم' إيباك'!