(انتقام أرشيف) هو فصل جميل في دراسة شيقة اسمها كم عمر الغضب؟ ناقش فيها الدكتور فؤاد زكريا كتاب هيكل خريف الغضب عن اغتيال السادات, في هذا الفصل يصف زكريا غرام الصحفي الكبير باللجوء إلي الأرشيف وكيف انه يتباهي بما لديه من معلومات في أرشيفه. , ولفت زكريا النظر إلي أنه يستطيع أن يستخدم الأرشيف أيضا ليفضح معلومات خاصة جدا عن الأستاذ هيكل. (1) نقطة الضعف الرئيسية في هيكل هي أنه يحب أن يظهر في شكل من يعرف ما لايعرفه أحد غيره, والعجيب أن يستسلم لإغراء حب الظهور, هذا, بحيث يتورط في اتهام الرئيس السابق حسني مبارك بالجاسوسية في كتابه مبارك وزمانه الذي تنشر حلقاته حاليا في صحيفة الشروق. في هذا الكتاب يقطع هيكل بأن أشرف مروان( زوج أبنة جمال عبد الناصر وسكرتير السادات للمعلومات) جاسوس لإسرائيل, ثم ينقل عن لسان مروان في جلسة خاصة معه قوله عن مبارك( استطيع تدميره وتدمير غيره معه) في إشارة إلي عمر سليمان وآخرين, وليس هناك شك من واقع سياق الكلام أن المقصود بذلك أن مروان يتهم مبارك وبعض المحيطين به بالجاسوسية أو أن لديه معلومات شديدة الخطورة عنهم تكفي لتدميرهم إذا أراد. والمدهش في هذا الكلام المرسل أن مروان مات دون ان يتمكن من تدمير مبارك او أحد حوله وأن هيكل عندما يستشهد بأقوال مروان بعد وفاته المريبة بعدة أعوام يصبح هذا الكلام بلا دليل يوثقه وبذلك يصبح كلاما مرسلا, الغريب في هذا الكلام أن هيكل يعرف ذلك! فهل رأيتم صحفيا كبيرا يستخدم كلاما مرسلا لا دليل عليه ليوجه اتهاما لرئيس جمهورية حتي وإن كانت في بلاد واق الواق؟ هل يمكن أن نقول ببساطة أو حتي بتهور إن الرجل الذي أنفق عمره كله في صراع مع إسرائيل تحوم من حوله شبهة في آخر أيامه انه صار جاسوسا لها؟ أغلب الظن أن هذه التهمة أقرب ما تكون إلي انتقام الأرشيف, ففي هذا الأرشيف تتراكم المعلومات الغث والسمين, ويستطيع الإنسان أن يلجأ إليها حسب التساهيل, فعندما أصدر مبارك قراره بالعفو عن السياسيين الذين سجنهم السادات في1981 واستقبلهم في قصر الرئاسة( وكان هيكل من بينهم) قال هيكل( إن مبارك رجل تم تعميده مرتين بالدم والنار: مرة في اكتوبر73 والثانية علي المنصة في اكتوبر81) أما الآن ومبارك في السجن شيخا طاعنا خارج السلطة فإن هيكل يستبيح أن يتهمه بالجاسوسية ولو تلميحا. (2) حتي في طابا التي أصر مبارك علي استردادها كاملة وخاض في سبيلها معركة قانونية ممتازة أجبرت إسرائيل علي تسجيل سابقة العودة إلي الحدود الدولية المصرية قبل يونيو67, حتي هذه ليس للرجل فيها ميزة, فمن وجهة نظر هيكل هناك ترتيبات أمن وأوضاع قوات في طابا تعطي لإسرائيل, وإذا سلمنا مع هيكل كما يقول الآن بأن هناك اختراقا أمريكيا للمجتمع المصري فهل مستوي هذا الإختراق أكبر أم مثل أو أقل من الاختراق العسكري السوفيتي لمصر بعد النكسة عندما كانت هناك قوات سوفيتية علي الأراضي المصرية وكانت هناك طائرات سوفيتية تحلق في الأجواء المصرية؟ هل كانت مصر في تلك الظروف تتحكم في حجم المعلومات التي لدي السوفيت عن مصر؟ هيكل في ذلك الحين اعتبر الوجود العسكري السوفيتي جزءا من المساعي المصرية لتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي؟ (3) وجريا وراء فكرة أن مبارك رجل بدون مزايا, فانه عندما أنقذ مبارك رقبة خالد عبد الناصر بسبب تورطه في قضية تنظيم ثورة مصر الذي كان يطارد الإسرائيليين ويقتلهم في مصر لم يستطع هيكل أن يجد كلمة واحدة في كتابه المنشور الآن يمتدح مافعله مبارك بل انه سخر من نصيحة مبارك لخالد وقوله( عايز تهلس أه)..( عايز تبسبس يعني بيزنس أه)..( عايز تسيس يعني سياسة لا) لم يجد هيكل كلمة واحدة يتحدث بها عن الجهود والاتصالات والمساعي التي بذلها مبارك ونظامه لحماية خالد عبدالناصر, وأنه لن يتعرض لأي مكروه ما بقي حيا وكيف أن مبارك نجح في إقناع إسرائيل بالتغاضي عما تزعمه من حق دم في رقبة خالد عبد الناصر, مع العلم بأن عمليات تنظيم ثورة مصر ضد الإسرائيليين تسببت في واحدة من أسوأ الأزمات في العلاقات المصرية الإسرائيلية, وكان في مقدور مبارك استخدام لغة باردة وقاسية وجافة عند تعامله مع خالد, لكنه لم يفعل علي حد رواية هيكل وكان في مقدوره ان يرفض لقاء خالد كلية ويكلف شخصا آخر بذلك ولكنه آثر ان يلتقيه بنفسه لجدية المسألة ولأهمية الشخص كونه نجل عبد الناصر. والخلاصة ان انتقام الأرشيف هنا يفتقر لأي قدر من العقل والمنطق والفهم الواقعي للأشياء مثلما يفتقر للحس التاريخي الدقيق لمعني الأشياء. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن