إن النظرة السريعة إلي التطور التاريخي لوضع المرأة في المجتمع الإنساني تكشف عن أنها عانت قديما معاناة كبيرة, حيث كان ينظر إليها علي أنها شيء من الأشياء, وبالتالي فهي أدني من الرجل وتابعة له, فكانت تحرم من كثير من الحقوق, ففي شريعة اليونان مثلا, كانت المرأة مسلوبة الإرادة والحرية, وكانت تعتبر كالشيء فتباع وتشتري, وكانت النظرة إليها نظرة ازدراء حيث كانت تعتبر دنسا, ومن ثم حرم عليها دخول بعض الأماكن المقدسة. وفي الجزيرة العربية كانت المرأة تعتبر عارا, فكان الرجل إذا ولدت له أنثي, يتجنب العار الذي تلحقه به, فيلجأ إلي التخلص منها بوأدها في التراب وهي حية. قال تعالي:(وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتواري من القوم من سوء مابشر به أيمسكه علي هون أم يدسه في التراب ألاساء مايحكمون)( سورة النحل). وكانت المرأة محرومة من الميراث, بل إنها كانت هي ذاتها تعتبر شيئا يورث. وكان الرجل يستطيع أن يعدد من الزوجات أي عدد دون أن يقيده في ذلك أي قيد. وظلت المرأة علي هذا الوضع المهين إلي أن بزغ نور الإسلام, فأقال المرأة من العثرة التي ألقاها فيها التاريخ, ورد لها ما هي جديرة به من الكرامة الإنسانية, فاعترف لها بالأهلية الكاملة شأنها شأن الرجل, واعتد بإرادتها, وجعل لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة الرجل, وجعلها علي قدم المساواة مع الرجل فيما عدا بعض الاستثناءات التي يفرضها الاختلاف بينهما في الطبيعة البشرية وفي المهمة الإنسانية, وهي استثناءات تؤكد قاعدة المساواة. قال رسول الله صلي الله علية وسلم:''إنما النساء شقائق الرجال''( سنن أبي داود).فقد سوي الإسلام بين الانثي والذكر في حق الحياة فأنكر علي الآباء وأد بناتهن(وإذا الموءدة سئلت بأي ذنب قتلت)( سورة التكوير). كما سوي بينهما في التكاليف الدينية, فقد فرض الإسلام الصلاة والزكاة والصوم والحج لمن استطاع إليه سبيلا, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, قال تعالي في كتابه الكريم:( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)( سورة التوبة). كما قرر الإسلام المساواة بين المرأة والرجل في الثواب, قال تعالي:( من عمل صلحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون)( سورة النحل). كذلك سوي الإسلام بينهما في العقاب إتيان ما حرم الله, قال تعالي في كتابه الكريم:( الزانية والزاني فاجلدوا كل وحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)(سورة النور). وقرر الإسلام المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق المدنية, فالمرأة لها الحق في أن تختار زوجها, ولها ملكيتها الخاصة لا يشاركها فيها الزوج, ولها حرية التصرف في أموالها كيفما تشاء دون أي قيد, وهي تحتفظ باسم أسرتها مدي الحياة فلا تفقده بالزواج, وهي في ذلك كله تتمتع بحقوق لم تصل إليها حتي اليوم كثير من النساء في أكثر الدول تحضرا. ففي بعض هذه الدول تفقد المرأة اسم أسرتها بالزواج وتحمل اسم أسرة الزوج, وهو مظهر واضح لتبعية المرأة للرجل. كذلك تنص بعض التشريعات في بعض الدول المتقدمة علي أن المرأة تفقد استقلال ذمتها المالية بالزواج حيث تنضم ذمتها المالية إلي ذمة الزوج في ذمة مالية واحدة مشتركة يديرها الزوج, وإذا حدث انفصال بين الزوجين بالطلاق, تقسم هذه الذمة المشتركة بين الزوجين مناصفة. ويعتبر ذلك إهدارا لا بسط قواعد العدالة. كذلك سوي الاسلام بين المرأة والرجل في حق التعلم, بل لقد بلغ من حرص الاسلام علي هذا الحق ان اعتبره فريضة دون تفرقة بين الرجال والنساء, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة علي كل مسلمة( سنن ابن ماجه), وقد رفع الله شأن من يتلقون العلم دون تفرقة بين الرجال والنساء, قال جل وعلا( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجت والله بما تعملون خبير)( سورة المجادلة), وقال جل شأنه( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون)( سورة الزمر). وقد انتشر التعليم بين النساء في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد الخلفاء الراشدين, فقد كانت السيدة عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها افضل نساء عصرها علما, وكانت تتولي مهمة الافتاء. كذلك تلقت العلم السيدة فاطمة الزهراء والسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب والسيدة أسماء بنت ابي بكر الصديق, والسيدة سكينة بنت الامام الحسين, وغير هن من النساء. كذلك لم يحرم الاسلام المرأة من العمل. وقد كان النساء يعملن في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم, بل كن يشاركن في الغزوات: يضمدن الجراح ويسقين الجنود, ويحاربن أحيانا. وقد سجل التاريخ في صفحاته من هؤلاء, السيدة نسيبة بنت كعب التي أسهمت في غزوة احد والسيدة أميمة بنت قيس الغفارية التي اشتركت في غزوة خيبر, والربيع بنت مسعود, وام عطية الانصارية. وقد ولي الخليفة الراشد عمر بن الخطاب السيدة الشفاء بنت عبد الله ولاية الحسبة في الاسواق, وهي نوع من القضاء بين الناس. كذلك قرر الاسلام حق المرأة في ان ترث شأنها شان الرجل مع بعض الخلاف أحيانا في الانصبة وفقا لمعايير عادلة.