كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن قطع المعونة الأمريكية عن مصر من قبل المسئولين الأمريكيين؛ الأمر الذي أثار استهجان الكثيرين من كافة فئات الشعب المصري، فقد استمرت لغة تهديد مصر المتكررة المعتادة عقب حملة تنفيذ القانون على بعض منظمات المجتمع المدني التي خالفت شروط التمويل الأجنبي، وراحوا يهددون ويتوعدون بالويل والثبور وعظائم الأمور لمصر ما لم ترضخ لتلك التهديدات!! بل والأدهى أنهم أكدوا أن شعب مصر سيجوع!! فمصر على حسب زعمهم تجازف بخسارة بعض المساعدات العسكرية الأمريكية التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنويًا... ثم كان الهجوم الشرس من جانب الصهيوني إليوت إبرامز، المسئول في مجلس العلاقات الخارجية، الذي دعا إدارة الرئيس الأمريكي أوباما لقطع المعونات العسكرية عن مصر، ردًا على ما أسماه "غارة الجيش المصري على منظمات حقوق الإنسان المصرية والأجنبية". احترنا من موقف الولاياتالمتحدة المتخبط، فهي التي ضغطت على النظام السابق لكي يسقط، وسعت لاحتواء ثورة يناير في اتجاه مصالحها ومصالح إسرائيل، ثم نجدها تسعى بقوة لنشر الفوضى في مصر، واختراق التمويل غير الشرعي الأمن القومي المصري، عن طريق استخدام ذلك التمويل المباشر لتلك المنظمات بعد الثورة؛ للعمل على إيجاد حالة من الفوضى، مستقطبة في ذلك طلبة الجامعات وبعض الصحفيين، وتلعب في ذلك على وتر موضوعات حساسة مثل الفتنة الطائفية وأهل النوبة وغيرهما؛ لإجهاض فرصة تاريخية حقيقية أمام مصر تمكنها من استعادة مكانتها إقليميا ودوليا... فماذا تريد بالضبط؟! وكلنا يعلم أن المعونة الأمريكية لمصر هي مبلغ ثابت سنويا تتلقاه مصر من الولاياتالمتحدةالأمريكية في أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، حيث أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وإسرائيل، تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد، بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية. والحقيقة التي يدركها هؤلاء المسئولون الأمريكان الذين هددوا بقطع المعونة عن مصر كي ترضخ- والتي تحتاج لقرار سياسي عاجل من برلمان الثورة بالاستغناء عن هذه المعونة بعدما امتلكت مصر إرادتها الحرة المستقلة- هي أن قطع المعونة يضر أمريكا أكثر مما يضر مصر، وذلك باعتراف الخبراء الأمريكان أنفسهم، إذ إن قطع المعونة أو التهديد بذلك سيفقد أمريكا نفوذها، ويحدث ضربة قاسمة للسياسات الأمريكية، ومن مصلحة أمريكا الإبقاء على المعونة لحماية تحالفها مع مصر. وفي رد فعل سريع جراء تلك التهديدات، أعلن الشيخ محمد حسان في أحد البرامج مبادرة تحت شعار "المعونة المصرية"، والتي تهدف للاستغناء تمامًا عن المساعدات الأمريكية، مؤكدًا أن مصر لن تنكسر من أجل 1.3 مليار دولار، وتعهد بجمع عشرات المليارات من الجنيهات. أرى في تقديري أن مصر كما تحررت من عبودية النظام الفاسد على مدى 30 عامًا، يمكنها الاستغناء عن تلك المعونة، وبالتالي تتحرر من العبودية الاقتصادية والعسكرية التي تجبرها على عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من زراعة القمح ومعظم الصناعات الأخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن?... هل سيرحب المجلس العسكري بتلك المبادرة، وبالتالي لا تسمح لأحد بالتدخل في شئون مصر الداخلية، أم سينظر للأمور بنظرة مختلفة ويرفضها؛ حتى لا تخسر مصر بتداعياتها حليفًا إستراتيجيًا مهمًا؟! ومضات: - ليس بتحرر البلاد من الفاسدين تنصلح الأمور... بل علينا أن نتحرر من عبودية فساد أنفسنا فكرًا وسلوكًا. [email protected] المزيد من مقالات أحمد مصطفى سلامة