على الرغم من رحيل رئيس الوزراء العراقى المنتهية ولايته نورى المالكى عن السلطة بعد أزمة عنيفة عاشها العراق والمنطقة بأسرها، بل والعالم جراء تشبثه بالبقاء فى منصبه، فإن الأزمة الحقيقية التى تهدد العراق والمنطقة لا تزال قائمة، متمثلة فى خطر الطائفية وإرهاب «داعش»، وما يجرانه من ويلات وأزمات إضافية. وكان المالكى قد أعلن فى خطاب التنحى أنه اتخذ تلك الخطوة لتجنب سفك الدماء، وأنه لم يكن معنيا بالسلطة قدر تمسكه بالدفاع عن الحق، وسيظل جنديا وفيا للعراق، كما تحدث عن سحب دعواه التى أقامها ضد الرئيس فؤاد معصوم أمام المحكمة الاتحادية لرفضه اعتبار دولة القانون الكتلة البرلمانية الأكبر، وتكليفه العبادى بتشكيل الحكومة الجديدة. لكن الأمر الجلى هو أن هناك جملة من الأسباب والدوافع والضغوط التى تعرض لها المالكى وأجبرته على الرضوخ للمطالبة بتنحيه. وأول تلك الأسباب التى لم يفطن إليها الكثيرون وبينهم المالكى نفسه والتى جعلته رقما صعبا فى الأزمة تلك السياسة الطائفية المتحيزة والديكتاتورية التى اتبعها المالكى وأنهكت البلاد وقادتها إلى طريق التقسيم، حيث عمل على تهميش باقى مكونات الشعب العراقى، وأصر على أن يدفع السنة ثمن خطايا فترة حكم صدام حسين، مما كرس الطائفية ودفعهم للثورة عليه، أمام الاندفاع للحلول الأمنية والعسكرية، وفتح الطريق أمام تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» ليتمدد على أجزاء واسعة من التراب العراقى حتى أعلن دولته. أما العامل الأهم بحسب المحللين السياسيين، والذى دق المسمار الأخير فى فترة حكم المالكى، فكان موقف المرجع الشيعى الأعلى آية الله على السيستانى، صاحب الرأى النافذ فى الحياة السياسية العراقية بالنسبة للشيعة، فقد بعث السيستانى بحسب مكتب المرجع الأعلى برسالة قبل شهر لقيادات حزب الدعوة بناء على طلبهم منه بالتدخل بالتوجيه فيما يخص المناصب طالبهم فيها بضرورة التعاطى مع أزمات العراق المستعصية برؤية مختلفة، وأوصى بضرورة الإسراع باختيار رئيس جديد للوزراء يحظى بقبول وطنى واسع يعمل مع بقية المكونات لإنقاذ العراق من مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية والتقسيم، ونقل قادة »حزب الدعوة« للمالكى أن خطبة الجمعة ستتضمن تصعيدا كبيرا ضده قد يؤدى إلى اضطراب داخل حلقات الحماية الخاصة به. بالإضافة إلى الأسباب السابقة فإن قيادات حزب الدعوة الذى يرأسه المالكى ارتأت أن بقاء المالكى سيقود إلى تقسيم الحزب وكتلة » دولة القانون«، وفقدان المنصب الذى ظل حكرا عليه طيلة ثمانية أعوام، ووجدت قيادات الحزب أن من الحكمة التراجع إلى الخلف خطوة بدلا من ضياع رئاسة الوزراء من بين أيديهم، حيث واجه المالكى رفضا خليجيا شديدا لسياساته بعد هجومه على بعض دوله واتهامهابالعبث باستقرار العراق، كما واجه المالكى رفضا دوليا حتى من أقرب حلفائه الولاياتالمتحدة. لكن يبقى التساؤل ما هى الضمانات التى أخذها المالكى لضمان خروج آمن من السلطة، فقد كشف مصدر مقرّب من المالكى أنه حصل على ضمانات بخروج آمن من السلطة، وأنه كان مشروطا بتنازله عن الدعوى القضائية ضد العبادى، حيث كان يخشى الملاحقة القضائية وطلب مقابل تخليه عن المنصب بحصوله على تعهد بعدم ملاحقته، أو أفراد عائلته قضائيا.