الإعلان عن القائمة النهائية الرسمية لمرشحى مجلس النواب 2025    الذهب يتراجع وسط ارتفاع الدولار وترقب بيانات التضخم الأمريكية    أسعار النفط تقفز 3% بعد العقوبات الأمريكية على روسنفت ولوك أويل    محافظ الجيزة يبحث موقف مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي لتلبية احتياجات المواطنين    لزراعة 250 ألف فدان، بدء توزيع تقاوي القمح على المستفيدين في 16 محافظة    الصحة: خفض معدلات الإصابة بمرض الدرن إلى 9 حالات لكل 100 ألف نسمة    ما هي الشهادات المتوفرة الآن في بنك مصر؟ قائمة بأعلى العوائد    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في البنوك المصرية.. اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025    أمطار غزيرة وعواصف قوية في نوات الشتاء 2026.. والفيضة الكبرى على الأبواب    رابط التسجيل في قرعة الحج على موقع وزارة الداخلية 2026    بهذة الطريقة.. طة دسوقي يحتفل بميلاد زوجته    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    فلسطين.. افتتاح قسم الجراحة العامة بعد الترميم في مستشفى الخليل الحكومي    «لازم تركز شوية».. أحمد شوبير يفاجئ نجم الأهلي برسائل نارية    «إنت عايز تهد نادي الزمالك».. ميدو يفتح النار على أسامة حسني    سان دييجو أو اتحاد جدة أو الهلال.. من الأقرب لضم محمد صلاح حال رحيله عن ليفربول؟    ترامب يدعو مربي الماشية إلى خفض الأسعار ويؤكد استفادتهم من الرسوم الجمركية    تهديدات بالقتل تطال نيكولا ساركوزي داخل سجن لا سانتي    مسئول كبير بالأمم المتحدة: سوء التغذية في غزة ستمتد آثاره لأجيال قادمة    البابا تواضروس: مؤتمر مجلس الكنائس العالمي لا يستهدف وحدة الكنائس بل تعزيز المحبة بينها    ختام فعاليات الدورة التثقيفية للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي بمكتبة مصر العامة بالمنصورة.. صور    لاعب سابق بالأهلى يدعم محمد صلاح: لولا أنت كان ليفربول بالمركز السابع    ليفربول يفك عقدته بخماسية في شباك آينتراخت فرانكفورت بدوري الأبطال    محمد صلاح يثير الجدل بعد حذف صورته بقميص ليفربول    على أبو جريشة: إدارات الإسماعيلى تعمل لمصالحها.. والنادى يدفع الثمن    الرئيس السيسى: إنشاء ممر استثمارى أوروبى فى مصر كبوابة للأسواق الإفريقية والعربية    الأصول أهم    نشوب حريق مخزن أخشاب بطريق بلبيس – أبوحماد بالشرقية    «التعليم» تكشف مواصفات امتحان اللغة العربية الشهري للمرحلة الابتدائية.. نظام تقييم متكامل    نفذها لوحده.. كاميرات المراقبة تكشف تفاصيل جديدة في "جريمة المنشار" بالإسماعيلية    مقتل وإصابة 4 من قوات شرطة الطاقة في انفجار أنبوب غاز غربي بغداد    حبس «الجن» 4 أيام بعد إلقاء زوجته من شرفة منزلهما بمحافظة بورسعيد    الرئيس السيسى: مصر تولى اهتماما كبيرا لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبى    علي الحجار يطرب جمهور الموسيقى العربية ويحيي تراث أم كلثوم بصوته    بعد تداول فيديو مفبرك.. حنان مطاوع تنتقد استخدام الذكاء الاصطناعي في تشويه الحقيقة    زوج رانيا يوسف: بناتها صحابي.. وكل حاجة فيها حلوة    الصحف المصرية.. حراك دولى لإلزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار فى غزة    خالد الجندي: الغنى والشهرة والوسامة ابتلاء من الله لاختبار الإنسان    رئيس الوزراء البريطاني: يسعدني انضمام أمريكا إلينا بفرض عقوبات كبيرة على شركتى النفط الروسيتين    وكالة: كوريا الشمالية تعلن تنفيذ تجارب ناجحة لصواريخ فرط صوتية    اليوم.. «6 مباريات» في افتتاح الجولة العاشرة بدوري المحترفين    10 رحلات عمرة مجانية لمعلمي الإسماعيلية    رئيس محكمة النقض يستقبل الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي    مدحت عبدالدايم يكتب: محمود ياسين فنان متفرد يقود سيارته ويغنى للعندليب    علي الحجار يتأثر بغنائه «فلسطيني» في مهرجان الموسيقى العربية    سيصلك مال لم تكن تتوقعه.. برج الدلو اليوم 23 أكتوبر    رئيس هيئة النيابة الإدارية في زيارة لمحافظ الإسكندرية    4474 وظيفة بالأزهر.. موعد امتحانات معلمي مساعد رياض الأطفال 2025 (رابط التقديم)    رفض الطعن المقدم ضد حامد الصويني المرشح لانتخابات مجلس النواب بالشرقية    هترم عضمك.. وصفة شوربة الدجاج المشوي التي تقاوم نزلات البرد    مش هتنشف منك تاني.. أفضل طريقة لعمل كفتة الحاتي (چوسي ولونها جميل)    مع اقتراب الشتاء.. خطوات تنظيف اللحاف بسهولة    ألونسو: سعيد من أجل بيلينجهام.. وصليت ألا يتعرض ميليتاو للطرد    ضياء رشوان: الاتحاد الأوروبي يدرك دور مصر المهم في حفظ السلام بمنطقة القرن الإفريقي    داعية إسلامي: زيارة مقامات آل البيت عبادة تذكّر بالآخرة وتحتاج إلى أدب ووقار    مواقيت الصلاة في أسيوط غدا الخميس 23102025    هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟.. خالد الجندي يجيب    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة الشهر الكريم وأحكام الرؤية الشرعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدوارد سعيد يفضح تحرش الغرب وخيانة المثقفين
من«تغطية الإسلام» الى استهداف شعوب الشرق

يشتهى الغرب الشره ثروات الشرق المترنح و يكره شعوبه، يتحرش به كل حين، يغذى طوفان العنف الدينى بينهم، يطلق كلابه ووكلاءه وأسلحته على الجسد العربى، بقوة مفرطة، قوة تتمثل للعرب، ولآخرين، إخطبوطا يضربهم بأذرعه، يصبح بعض القوم إما مضروبا أو محاصرا، وإما خائفا أو معرضا للتهديد والابتزاز..تضيق بهم الأرض، تحشرهم فى الممر الأخير، فيخلعون أعضاءهم كى يمروا «من الأزمة»،..(لكن) إلى أين يذهبون بعد آخرالحدود؟، أين تطير العصافير بعد السماء الأخيرة؟..سؤال طرحه الفلسطينى محمود درويش، وما زلنا نبحث عن إجابته فى أدبيات مواطنه إدوارد سعيد.
منذ قرنين تقريبا تأوه أحد سلاطين المغرب ذات يوم بالقول: «داء العطب قديم»، حين أدرك أنه يهوي باتجاه بركان من الأزمات.. اليوم تدل الأحداث المروعة، فى كل مكان بالمنطقة العربية، على أن نزيف هذا العطب يسلك خطا متصاعدا، وأن مصير شعوبها ووجود دولها سيظل معلقا بخيوط عنكبوت تتأرجح هنا وهناك، كلما هب تيار وماج آخر وامتلك أعنة القوة ووسائل القمع والتشريد والقتل والتدمير، حيث يعبر الواقع العربى عن خريطة غائمة معقدة من الأزمات المتكاثفة ومظاهر الخلل السياسي والاقتصادي والثقافي.. والمحصلة شبه سقوط حضارى وتغول الأعداء، يموت من يموت ويسقط من يسقط ولا أحد يبالى فى فلسطين أو سوريا أو العراق أو ليبيا،.. إلخ.
التخلف الحضارى
واقع الحال يشهد بأن المسئولية تقع بالدرجة الأولى على كاهل العرب أنفسهم عما يجرى، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التطلع إلى عيوبنا والاعتراف بها، دون أي تجميل زائف، إن المشكلات نفسها التي كنا نختلف بشأنها في أواخر القرن التاسع عشر، هي التي تشغلنا مطلع الحادي والعشرين، هنا نجد أنفسنا مضطرين للاتفاق مع المفكر والمؤرخ الأمريكى بول كنيدي فى كتابه « الاستعداد للقرن الحادي والعشرين» إذ يرى أن معظم الدول العربية والإسلامية لم تستعد بعد للقرن الحادي والعشرين، لأنها لم تصل بعد إلا إلى القرن التاسع عشر.. . كما يلمح إلى أنها «دول متخلفة عن الركب الحضاري.. مليئة بالعداوات والتنافس، وتضع الجماعات الإرهابية علامات استفهام حول مستقبل كثير منها، وتعطى درسا مفيدا في سياسات القوى، يوضح كيف يلتهم القوي الضعيف! »
ولكن هل نناقض أنفسنا عندما نقول ذلك؟ هل نحن مصابون بفصام يجعل آراءنا تتأرجح كبندول الساعة، يمينا ويسارا؟..اعتقد أنه ليس فى هذا أى تناقض، فمعظم البلايا جرها علينا الغرب الذى حرص منذ القدم على بقاء الشرق تابعا متخلفا وسوقا واسعة، فى الوقت نفسه نحن من منحه هذه الفرصة بضعفنا وتخلفنا وتفرقنا وخوار عزيمتنا، زمنا طويلا، وحتى لا يبدو الأمر لغزا أو أحجية عصية على الفهم أو الحل، نستعين بإدوارد سعيد لفك طلاسم الخريطة وألغازها، بحثا عن سقف آخر نحلق إليه إذا ما ضاقت بنا الحال .
من عادة إدوارد سعيد أنه لايتردد فى السباحة ضد التيار، لاحجاب بينه وبين الاشياء والافكار والثقافات والمفكرين والعالم، هو على احتكاك وتعارك وتلاحم مع كل شيء بقدر عال من الحرية فى وجه القمع الذى يطوق الفكر الذى يطرحه، بوصفه إنسانا امريكيا عربيا ومثقفا كونيا عانى الغربة والاقتلاع والشتات بعيدا عن «فلسطين»، والعيش، عبر الأوطان، «خارج المكان». قدم سعيد عصارة فكره ثمارا يانعة دانية القطوف أغنت الفكر الإنسانى وتركت آثارها على جملة من القضايا المعرفية والفكرية والأدبية، خصوصا فى كتابيه «الاستشراق» و»الثقافة والامبريالية»، معتمدا على منهج القراءة الطباقية اكثر اساليبه جموحا، وابعدها إيغالا فى أغوار النصوص وخفايا النفوس المبدعة، مثل «قلب الظلام» لكونراد و «روضة مانسفيلد» لجين اوستن، و»كيم» لايارد كبلينج، و»أوبرا عايدة» لفيردى.. بوصفها نتاجات خيال فردى خلاق، تظهر طبيعة العلاقة بين الثقافة والامبريالية والاستعمار، لفهم هذه العلاقة وضحاياها، أى فهم هذا العالم الذى نعيش فيه، عالم يعد فى حد ذاته «سردية كبرى»..
أسلوب السيطرة
يكشف سعيد، من خلال حفرياته فى تاريخ «الاستشراق»، عن نظام الاستشراق الذى أسهم فى شرقنة الشرق، فالاستشراق، كما يعرفه، هو «معرفة بالشرق تضع الشرقى فى قاعة التدريس، فى محكمة، فى سجن، أو فى دليل موجز لأغراض التحليل المدقق، والدراسة والمحاكمة والتأديب أو الحكم»، وبذلك تجرأ إدوارد سعيد وفضح نظام «الاستشراق» فى رؤيته للعالم العربى والاسلامى بوصفه (أسلوب سيطرة)، تمكنت من خلاله الثقافة الغربية من معرفة الشرق ودراسته، ثم احتلاله وحكمه وإخضاعه، وهو علامة دالة على القوة الأوروبية الأطلسية إزاء الشرق، مما رسخ صورا مشوهة عن الإنسان الشرقى بوصفه «إنسانا ذميما، فى كل شيء، عديم الرحمة والإنسانية، ومن ثم لا يستحقهما»، وخلق نوعا من «التحيز الشعبى»، أوصورة ذهنية سلبية، ضد الإسلام والعروبة، حتى السياقات المعرفية والأكاديمية تأسر العربى أو المسلم داخل شبكة من العنصرية والتنميط الثقافى والإمبريالية السياسية والعقائدية التى تقضى على إنسانية الإنسان..
يضرب سعيد مثلا عمليا تاريخيا برفض الانجليز تسمية استعمارهم لمصر ب«الاحتلال»، إنما سموه «وجود بريطانيا فى مصر»، واستشهد بنص محاضرة بلفور صاحب الوعد المشئوم عن معرفتهم بتاريخ حضارة مصر وعظمتها ثم انحطاطها، وأن تلك المعرفة تقترن بالقوة المادية والعسكرية مما يسوغ الاحتلال البريطانى للكنانة فى رؤية بلفور.. فالمعرفة هى جناح السيطرة على الشعوب وتعكس «فوقية» بريطانيا فى مواجهة «دونية» مصر، أو كيفية رؤية الغرب للشرق، حيث يتجلى صوت السيد الغربى الابيض المتمركز حول ذاته الذى يقف وحده فى طرف وبقية العالم فى طرف آخر، يستلزم حجرا صحيا وفكريا علي هذا العالم..!
كذلك يلفت إدوارد سعيد نظرنا إلى قضية خطيرة تخص الحريات الأكاديمية فى جامعات الغرب، إذ إن معظم الباحثين والمنظرين فى شئون المنطقة العربية يعملون –سرا أو جهرا- فى خدمة الخارجية الأمريكية أو البنتاجون أو المخابرات، وتغلب على كتاباتهم نزعة أبوية فى النظر إلى الشرق، وقد أفضت هذه النظرة الاستشراقية المتحيزة إلى غياب كلى لأى موقف تعاطفى مع قضايانا، بينما يصل التعاطف إلى درجة التوحد مع مصالح ومواقف «الكيان الصهيونى»، برنارد لويس مثلا، يستوى فى ذلك الروايات الحديثة والكتب المدرسية المقررة والمسلسلات والأفلام والكاريكاتير التى يكثر فيها تصوير المسلمين كموردى نفط وإرهابيين وغوغاء وعطشى للدماء والجنس والجوارى، مع بعض التوابل الحريفة من «ألف ليلة وليلة»، بما يجعل حيز التعاطف مع أى شأن إسلامى ضيقا حرجا. هنا ينحى سعيد باللائمة على ورثة هذه المعرفة الذين يملكون الشرق الحديث، سواء كانوا من النخبة المثقفة التى استوردت أفكارها عن التحديث والتقدم من الولايات المتحدة الأمريكية بصورة رئيسية، أو من المفكرين الراديكاليين الذين أخذوا ماركسيتهم بالجملة من نظرة ماركس التسلطية إلى العالم الثالث يسهمون ويشاركون فى «شرقنة الشرق». وأشد ما يقلق سعيد بالاضافة إلى سيادة الخطاب الاستشراقى المتعالى والمزدرى للاخر (المسلم)، هو حالة التبعية الفاقعة التى يعيشها العالم العربى لأمريكا، بوصفها «تتويجا لعصر من الاستشراق الممتد»، ومايثير الإحباط من وجهة نظره أن الدارسين العرب تحولوا إلى مخبرين محليين عن مجتمعاتهم -ومن هنا نقده الحاد لكل من كنعان مكية وفؤاد عجمى- أى نخبة تقف ضد الجماهير، تشرحها وتقدمها وجبة جاهزة لمن يستطيع التهامها.
طبول الحرب
هذا الموقف الحاد الذى اتخذه إدوارد سعيد، من الغرب ومن يدورون فى فلكه من مثقفى العرب «المتأمركين أو المتأوربين، لا فرق» يدل على أنه راقب الواقع العربى والإسلامى بعين مجهرية، وصدع بالحق، وهو يشتبك بقسوة مع «لا عدالة» المواقف الغربية فى التعامل مع قضايانا المصيرية، ومن بينها القضية الفلسطينية، ويتفق مع د.عبدالوهاب المسيرى فى أن الغرب يتظاهر بعلاقات طيبة مع العرب لضمان بقائهم سوقا مفتوحة لبضائعه، وأن إسرائيل استعمار غربى منخفض التكلفة، وظيفته حماية مصالح الغرب وإضعاف العرب وتقسيمهم، لذلك تعرض سعيد، إثر تأليف كتابه «الاستشراق» – وغيره- للمضايقات فى جامعة كولومبيا الأمريكية، وحملت الأجهزة الإعلامية عليه، واعتبروه «داعية لقيام أصولية إسلامية » فى مواجهة الغزو الإمبريالى الصهيونى..العجيب أن بعض الأكاديميين العرب فى جامعات الغرب تبنى الرأى نفسه ضد سعيد، باعتباره داعية إلى «إحلال الشيخ محل الأستاذ الجامعى»..!، كما أزاح سعيد النقاب عما يمكن وصفه بتحالف الشياطين، بين أمريكا وأطراف إقليمية ودولية، فيما سماه «تغطية الإسلام»،بكتاب يحمل العنوان نفسه، ولاشك أن معظم ما قاله قد تحقق بمرور الأيام، وتتجسد من خلاله الحقيقة الأمريكية المتناقضة، القوة والمعرفة، الهيمنة والاستغلال، النمو والانحسار، إلى ما لا نهاية..
من وجهة نظر أمريكية يؤمن زبجينو بريجينسكي فى كتابه «فرصة ثانية» أن الولايات المتحدة، برغم فشلها، فقد نجحت في التخلص من جميع الخصوم، وقد حقق العسكريون الأمريكيون هذا الهدف تقريبا «أو هم في سبيلهم الى تحقيقه استجابة لطلباتنا، وبقي حجر واحد علينا إسقاطه من أجل إحداث التوازن وهو المتمثل في ايران، إن كلا من الدب الروسي والتنين الصيني لن يقفا موقف المتفرج، ونحن نمهد الطريق أمامنا خصوصا بعد أن تشن إسرائيل حربا جديدة بكل ما أوتيت من قوة لقتل أكبر قدر من العرب، وهنا سيستيقظ الدب الروسي والتنين الصيني، وقتها سيكون نصف الشرق الأوسط على الأقل قد أصبح إسرائيلياً، وستصبح المهمة ملقاة على عاتق الجنود الأمريكيين والغربيين المدربين تدريباً جيداً والمستعدين في أي وقت لدخول حرب عالمية ثالثة يواجهون فيها الروس والصينيين، ومن وسط ركام الحرب هذه سيتم بناء قوة عظمى وحيدة قوية صلبة منتصرة هي الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم، وهي الولايات المتحدة التي تملك أكبر ترسانة سلاح في العالم، لا يعرف عنها الآخرون شيئا، وسوف تقوم بعرضها أمام العالم في الوقت المناسب، إن طبول الحرب تدق ومن لا يسمعها فهو مصاب بالصمم».
لايخلو كلام بريجينسكى من المبالغة والغرور والزهو، لكن سيكون من الخطأ الكبير أن نعتقد أنه نزوة نرجسية أو شيفونية مؤقتة، إنما هو كلام يعكس بعمق واحدة من الصفات الثابتة للتفكير الغربى تجاه الشرق بل تجاه جميع الشعوب الأخرى التى لا تنتمى إلى محيطه الحضارى أو العقائدى.
حصان طروادة
لقد أذاقنا الغرب مرارة الاستعمار، ومازال يسعى إلى فرض هيمنته علينا بشتى الأساليب، وأهم أوراق الضغط واللعب فى يده هى « الإسلام السياسى» الذى يعتبره ضرورة لابد منها لأكثر من سبب، أهمها أنها عوامل فرقة وتدهور وخراب فى أوطانهم، إنهم «حصان طروادة» عدو داخلى أمره بيد الخارج، ليهدم البناء على من فيه.. فمن أنشأ الاخوان المسلمين ومازال يدعمهم ويدافع عنهم بضراوة، بل من الذى أوجد القاعدة ومن الذى صنع داعش..إن أى شخص يعتقد أن هناك دورا لداعش اكثر من إراقة الدماء وخلق فتنة بين الحكام ومحكوميهم، فى اى جزء من بلاد العرب، فهو مخطىء .. فلا القاعده قبلها نصرت الاسلام، ولا الاخوان كان دستورهم القرآن، ولا الخلافة الرشيدة كانت مصير طالبان عندما حكموا افغانستان، ولا حتى إيران فعلتها، .. الخلاصه هى: أن أصحاب اللحى إذا دخلوا ثورةٌ سرقوها، وإذا حكموا دولة فتتوها وقسموها، الأرجح أننا سندهش لو قرأنا «أوراق جمال حمدان» وتحليله العميق الكاشف لظاهرة الإسلام السياسى وجماعات العنف والتطرف ومدى ارتباطها بالتصورات الغربية للمنطقة العربية، يقول: إن «الحركات الإسلامية المتطرفة هي وباء دوري يصيب العالم الإسلامي في فترات الضعف السياسي أمام العدو الخارجي. وهي نوع من التشنج الطبيعي بسبب عجز الجسم عن المقاومة، ثمّ الآن تحوّلت إلى وباء شامل يتحوّل بدوره إلى وباء مزمن». ويتهم حمدان الغرب الاستعماري بأنه «أكثر من أراد أن يوظف الإسلام سياسيا»، بهدف الهيمنة على العالم الإسلامي و«استغلاله وتسخيره لأغراضه الإمبريالية العليا واستراتيجيته الكوكبية العدوانية».
لكن بعيدا عن اى معيار أخلاقى أو إنسانى، هل أخطأ الغرب فى أن يفعل بنا وغيرنا من الشعوب، ما يفعل حاليا، ألا يحق له الدفاع (عما يراه) مصلحته؟، ألا تفعل كل الشعوب ذلك بتأمين مصالحها وإقصاء أو تحييد خصومها؟.

لا ..للمؤامرة

الواضح أن اقتناعنا بفكرة المؤامرة الغربية، ربما يكون أخطر من وجودها نفسه، فهي تعفينا من مواجهة عيوبنا، وبذل الجهد اللازم من أجل إصلاحها، مادمنا على الدوام ضحايا لتلك المؤامرة التي هي الشغل الشاغل، والهم الأزلي، لهذا الغرب المتنمر، إن أحدا لا يود أن يبرئ الغرب من محاولات السيطرة على الدنيا، لكنها محاولات لا تنجح إلا مع الضعفاء، مما يستلزم امتلاك أسباب القوة والمنعة فى مواجهة أى منازلة حضارية، بصرف النظر عن هوية الطرف الآخر فيها، غربيا، شرقيا، شماليا، جنوبيا، .. علينا أن نوقف محركات التدهور والانهيار المتمثلة أولا فى: انتشار الفقر بمختلف مظاهره، من الجوع والظمأ والحرمان والمرض والجهل والتشرد وإهدار الكرامة والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أن نكافح ثرثرات الحلال والحرام، والتطرف والعنف والإرهاب التى ينشرها بعضنا، بزعم الدفاع عن الإسلام وهو منها براء، إن أعظم قيمة فى الإسلام –فى تقديرى- أنه دين (العدل)، ومن قبله الرحمة والتسامح، لا القتل وسفك الدماء..و سيكون هذا خطوة على طريق طويل، بدلا من الركض خلف السراب والأوهام، والاكتفاء بالاستغاثة من «الذئب « الذي لن يستطيع اقتحامنا، لو بذلنا من الجهد ما يجعل أسوارنا تعلو يوما بعد يوم.
لأجل ذلك ستظل كتابات إدوارد سعيد- الفلسطينى الأصل الأمريكى الجنسية، المسيحى الديانة ابن الحضارة العربية الإسلامية- سيفا مشهرا فى وجه كل من تسول له نفسه اختصار العرب والمسلمين أو مسخهم فى رواسب وقوالب ذهنية وفق الأهواء والرغبات التى تحوكها العنصرية والتمركز حول الذات والإحساس بالتفوق المبنى على قسمة العالم الى شرق وغرب، خاصة بعدما التقى «ماء الحضارات» على أمر قد قدر..واستطاعت مصر المحروسة أن تحبط مخطط الهيمنة على أمتها فى 30 يونيو 2013، ونفضت أدران الإخوان، لكنها مازالت بحاجة إلى أن تتوضأ من خطاياهم، بمزيد من العمل والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، بوصفها طريقا وحيدا للرقى والتقدم، فى عالم مؤلم وجارح ومتربص بطبيعته لا بالمؤامرة ..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.