أسعار الذهب اليوم الجمعة 23 مايو 2025    "كاسبرسكي": 9.7 مليون دولار متوسط تكلفة سرقة البيانات في القطاع الصحي    مايكروسوفت تمنع موظفيها من استخدام كلمة «فلسطين» في الرسائل الداخلية    القبض على عاطل وسيدة لقيامهما بسرقة شخص أجنبي بحلوان    لم يصل إليها منذ شهر، قفزة في أسعار الذهب بعد تراجع الدولار وتهديد إسرائيل لإيران    في يومه العالمي.. احتفالية بعنوان «شاي وكاريكاتير» بمكتبة مصر العامة بالدقي    «التنسيق الحضاري» يطلق حفل تدشين تطبيق «ذاكرة المدينة» للهواتف الذكية    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| الأهلي ضد الزمالك في نهائي كأس أفريقيا لليد    حقيقة انفصال مطرب المهرجانات مسلم ويارا تامر بعد 24 ساعة زواج    بسمة وهبة لمها الصغير: مينفعش الأمور الأسرية توصل لأقسام الشرطة    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    رئيس البنك الإسلامي يعلن الدولة المستضيفة للاجتماعات العام القادم    توجيه اتهامات ب"قتل مسؤولين أجانب" لمنفذ هجوم المتحف اليهودي بواشنطن    انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي الشرقي في المنيا يُخلف 4 قتلى و9 مصابين    بصورة قديمة وتعليق مثير، كيف احتفت هالة صدقي بخروج عمر زهران من السجن    سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة    تكريم سكرتير عام محافظة قنا تقديراً لمسيرته المهنية بعد بلوغه سن التقاعد    صبحي يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة ويؤكد: الشباب محور رؤيتنا للتنمية    لجنة التقنيات بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول    شيخ الأزهر يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    يرغب في الرحيل.. الزمالك يبحث تدعيم دفاعه بسبب نجم الفريق (خاص)    مراجعة مادة العلوم لغات للصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني (فيديو)    انفجار كبير بمخزن أسلحة للحوثيين فى بنى حشيش بصنعاء    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الجمعة 23 مايو 2025    عودة لحراسة الزمالك؟.. تفاصيل جلسة ميدو وأبو جبل في المعادي (خاص)    مصرع 4 أشخاص وإصابة آخر في تصادم سيارتي نقل على طريق إدفو مرسى علم    ضبط مركز أشعة غير مرخص فى طهطا بسوهاج    في حضور طارق حامد وجوميز.. الفتح يضمن البقاء بالدوري السعودي    وكيله: لامين يامال سيجدد عقده مع برشلونة    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة «كريت» اليونانية (بؤرة الزلازل)    دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني    تعليم القاهرة يحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية بمسابقة الخطابة والإلقاء الشعري    رسميًا بعد قرار المركزي.. ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 23 مايو 2025    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 23 مايو 2025    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    الكشف عن موقف تشابي ألونسو من رحيل مودريتش عن ريال مدريد    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    فلسطين.. 4 شهداء وعشرات المفقودين إثر قصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    الشعبة: أقل سيارة كهربائية حاليًا بمليون جنيه (فيديو)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 7، نجاح عملية نقل الكلى من أحمد رزق ل ياسين    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدوارد سعيد يفضح تحرش الغرب وخيانة المثقفين
من«تغطية الإسلام» الى استهداف شعوب الشرق

يشتهى الغرب الشره ثروات الشرق المترنح و يكره شعوبه، يتحرش به كل حين، يغذى طوفان العنف الدينى بينهم، يطلق كلابه ووكلاءه وأسلحته على الجسد العربى، بقوة مفرطة، قوة تتمثل للعرب، ولآخرين، إخطبوطا يضربهم بأذرعه، يصبح بعض القوم إما مضروبا أو محاصرا، وإما خائفا أو معرضا للتهديد والابتزاز..تضيق بهم الأرض، تحشرهم فى الممر الأخير، فيخلعون أعضاءهم كى يمروا «من الأزمة»،..(لكن) إلى أين يذهبون بعد آخرالحدود؟، أين تطير العصافير بعد السماء الأخيرة؟..سؤال طرحه الفلسطينى محمود درويش، وما زلنا نبحث عن إجابته فى أدبيات مواطنه إدوارد سعيد.
منذ قرنين تقريبا تأوه أحد سلاطين المغرب ذات يوم بالقول: «داء العطب قديم»، حين أدرك أنه يهوي باتجاه بركان من الأزمات.. اليوم تدل الأحداث المروعة، فى كل مكان بالمنطقة العربية، على أن نزيف هذا العطب يسلك خطا متصاعدا، وأن مصير شعوبها ووجود دولها سيظل معلقا بخيوط عنكبوت تتأرجح هنا وهناك، كلما هب تيار وماج آخر وامتلك أعنة القوة ووسائل القمع والتشريد والقتل والتدمير، حيث يعبر الواقع العربى عن خريطة غائمة معقدة من الأزمات المتكاثفة ومظاهر الخلل السياسي والاقتصادي والثقافي.. والمحصلة شبه سقوط حضارى وتغول الأعداء، يموت من يموت ويسقط من يسقط ولا أحد يبالى فى فلسطين أو سوريا أو العراق أو ليبيا،.. إلخ.
التخلف الحضارى
واقع الحال يشهد بأن المسئولية تقع بالدرجة الأولى على كاهل العرب أنفسهم عما يجرى، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التطلع إلى عيوبنا والاعتراف بها، دون أي تجميل زائف، إن المشكلات نفسها التي كنا نختلف بشأنها في أواخر القرن التاسع عشر، هي التي تشغلنا مطلع الحادي والعشرين، هنا نجد أنفسنا مضطرين للاتفاق مع المفكر والمؤرخ الأمريكى بول كنيدي فى كتابه « الاستعداد للقرن الحادي والعشرين» إذ يرى أن معظم الدول العربية والإسلامية لم تستعد بعد للقرن الحادي والعشرين، لأنها لم تصل بعد إلا إلى القرن التاسع عشر.. . كما يلمح إلى أنها «دول متخلفة عن الركب الحضاري.. مليئة بالعداوات والتنافس، وتضع الجماعات الإرهابية علامات استفهام حول مستقبل كثير منها، وتعطى درسا مفيدا في سياسات القوى، يوضح كيف يلتهم القوي الضعيف! »
ولكن هل نناقض أنفسنا عندما نقول ذلك؟ هل نحن مصابون بفصام يجعل آراءنا تتأرجح كبندول الساعة، يمينا ويسارا؟..اعتقد أنه ليس فى هذا أى تناقض، فمعظم البلايا جرها علينا الغرب الذى حرص منذ القدم على بقاء الشرق تابعا متخلفا وسوقا واسعة، فى الوقت نفسه نحن من منحه هذه الفرصة بضعفنا وتخلفنا وتفرقنا وخوار عزيمتنا، زمنا طويلا، وحتى لا يبدو الأمر لغزا أو أحجية عصية على الفهم أو الحل، نستعين بإدوارد سعيد لفك طلاسم الخريطة وألغازها، بحثا عن سقف آخر نحلق إليه إذا ما ضاقت بنا الحال .
من عادة إدوارد سعيد أنه لايتردد فى السباحة ضد التيار، لاحجاب بينه وبين الاشياء والافكار والثقافات والمفكرين والعالم، هو على احتكاك وتعارك وتلاحم مع كل شيء بقدر عال من الحرية فى وجه القمع الذى يطوق الفكر الذى يطرحه، بوصفه إنسانا امريكيا عربيا ومثقفا كونيا عانى الغربة والاقتلاع والشتات بعيدا عن «فلسطين»، والعيش، عبر الأوطان، «خارج المكان». قدم سعيد عصارة فكره ثمارا يانعة دانية القطوف أغنت الفكر الإنسانى وتركت آثارها على جملة من القضايا المعرفية والفكرية والأدبية، خصوصا فى كتابيه «الاستشراق» و»الثقافة والامبريالية»، معتمدا على منهج القراءة الطباقية اكثر اساليبه جموحا، وابعدها إيغالا فى أغوار النصوص وخفايا النفوس المبدعة، مثل «قلب الظلام» لكونراد و «روضة مانسفيلد» لجين اوستن، و»كيم» لايارد كبلينج، و»أوبرا عايدة» لفيردى.. بوصفها نتاجات خيال فردى خلاق، تظهر طبيعة العلاقة بين الثقافة والامبريالية والاستعمار، لفهم هذه العلاقة وضحاياها، أى فهم هذا العالم الذى نعيش فيه، عالم يعد فى حد ذاته «سردية كبرى»..
أسلوب السيطرة
يكشف سعيد، من خلال حفرياته فى تاريخ «الاستشراق»، عن نظام الاستشراق الذى أسهم فى شرقنة الشرق، فالاستشراق، كما يعرفه، هو «معرفة بالشرق تضع الشرقى فى قاعة التدريس، فى محكمة، فى سجن، أو فى دليل موجز لأغراض التحليل المدقق، والدراسة والمحاكمة والتأديب أو الحكم»، وبذلك تجرأ إدوارد سعيد وفضح نظام «الاستشراق» فى رؤيته للعالم العربى والاسلامى بوصفه (أسلوب سيطرة)، تمكنت من خلاله الثقافة الغربية من معرفة الشرق ودراسته، ثم احتلاله وحكمه وإخضاعه، وهو علامة دالة على القوة الأوروبية الأطلسية إزاء الشرق، مما رسخ صورا مشوهة عن الإنسان الشرقى بوصفه «إنسانا ذميما، فى كل شيء، عديم الرحمة والإنسانية، ومن ثم لا يستحقهما»، وخلق نوعا من «التحيز الشعبى»، أوصورة ذهنية سلبية، ضد الإسلام والعروبة، حتى السياقات المعرفية والأكاديمية تأسر العربى أو المسلم داخل شبكة من العنصرية والتنميط الثقافى والإمبريالية السياسية والعقائدية التى تقضى على إنسانية الإنسان..
يضرب سعيد مثلا عمليا تاريخيا برفض الانجليز تسمية استعمارهم لمصر ب«الاحتلال»، إنما سموه «وجود بريطانيا فى مصر»، واستشهد بنص محاضرة بلفور صاحب الوعد المشئوم عن معرفتهم بتاريخ حضارة مصر وعظمتها ثم انحطاطها، وأن تلك المعرفة تقترن بالقوة المادية والعسكرية مما يسوغ الاحتلال البريطانى للكنانة فى رؤية بلفور.. فالمعرفة هى جناح السيطرة على الشعوب وتعكس «فوقية» بريطانيا فى مواجهة «دونية» مصر، أو كيفية رؤية الغرب للشرق، حيث يتجلى صوت السيد الغربى الابيض المتمركز حول ذاته الذى يقف وحده فى طرف وبقية العالم فى طرف آخر، يستلزم حجرا صحيا وفكريا علي هذا العالم..!
كذلك يلفت إدوارد سعيد نظرنا إلى قضية خطيرة تخص الحريات الأكاديمية فى جامعات الغرب، إذ إن معظم الباحثين والمنظرين فى شئون المنطقة العربية يعملون –سرا أو جهرا- فى خدمة الخارجية الأمريكية أو البنتاجون أو المخابرات، وتغلب على كتاباتهم نزعة أبوية فى النظر إلى الشرق، وقد أفضت هذه النظرة الاستشراقية المتحيزة إلى غياب كلى لأى موقف تعاطفى مع قضايانا، بينما يصل التعاطف إلى درجة التوحد مع مصالح ومواقف «الكيان الصهيونى»، برنارد لويس مثلا، يستوى فى ذلك الروايات الحديثة والكتب المدرسية المقررة والمسلسلات والأفلام والكاريكاتير التى يكثر فيها تصوير المسلمين كموردى نفط وإرهابيين وغوغاء وعطشى للدماء والجنس والجوارى، مع بعض التوابل الحريفة من «ألف ليلة وليلة»، بما يجعل حيز التعاطف مع أى شأن إسلامى ضيقا حرجا. هنا ينحى سعيد باللائمة على ورثة هذه المعرفة الذين يملكون الشرق الحديث، سواء كانوا من النخبة المثقفة التى استوردت أفكارها عن التحديث والتقدم من الولايات المتحدة الأمريكية بصورة رئيسية، أو من المفكرين الراديكاليين الذين أخذوا ماركسيتهم بالجملة من نظرة ماركس التسلطية إلى العالم الثالث يسهمون ويشاركون فى «شرقنة الشرق». وأشد ما يقلق سعيد بالاضافة إلى سيادة الخطاب الاستشراقى المتعالى والمزدرى للاخر (المسلم)، هو حالة التبعية الفاقعة التى يعيشها العالم العربى لأمريكا، بوصفها «تتويجا لعصر من الاستشراق الممتد»، ومايثير الإحباط من وجهة نظره أن الدارسين العرب تحولوا إلى مخبرين محليين عن مجتمعاتهم -ومن هنا نقده الحاد لكل من كنعان مكية وفؤاد عجمى- أى نخبة تقف ضد الجماهير، تشرحها وتقدمها وجبة جاهزة لمن يستطيع التهامها.
طبول الحرب
هذا الموقف الحاد الذى اتخذه إدوارد سعيد، من الغرب ومن يدورون فى فلكه من مثقفى العرب «المتأمركين أو المتأوربين، لا فرق» يدل على أنه راقب الواقع العربى والإسلامى بعين مجهرية، وصدع بالحق، وهو يشتبك بقسوة مع «لا عدالة» المواقف الغربية فى التعامل مع قضايانا المصيرية، ومن بينها القضية الفلسطينية، ويتفق مع د.عبدالوهاب المسيرى فى أن الغرب يتظاهر بعلاقات طيبة مع العرب لضمان بقائهم سوقا مفتوحة لبضائعه، وأن إسرائيل استعمار غربى منخفض التكلفة، وظيفته حماية مصالح الغرب وإضعاف العرب وتقسيمهم، لذلك تعرض سعيد، إثر تأليف كتابه «الاستشراق» – وغيره- للمضايقات فى جامعة كولومبيا الأمريكية، وحملت الأجهزة الإعلامية عليه، واعتبروه «داعية لقيام أصولية إسلامية » فى مواجهة الغزو الإمبريالى الصهيونى..العجيب أن بعض الأكاديميين العرب فى جامعات الغرب تبنى الرأى نفسه ضد سعيد، باعتباره داعية إلى «إحلال الشيخ محل الأستاذ الجامعى»..!، كما أزاح سعيد النقاب عما يمكن وصفه بتحالف الشياطين، بين أمريكا وأطراف إقليمية ودولية، فيما سماه «تغطية الإسلام»،بكتاب يحمل العنوان نفسه، ولاشك أن معظم ما قاله قد تحقق بمرور الأيام، وتتجسد من خلاله الحقيقة الأمريكية المتناقضة، القوة والمعرفة، الهيمنة والاستغلال، النمو والانحسار، إلى ما لا نهاية..
من وجهة نظر أمريكية يؤمن زبجينو بريجينسكي فى كتابه «فرصة ثانية» أن الولايات المتحدة، برغم فشلها، فقد نجحت في التخلص من جميع الخصوم، وقد حقق العسكريون الأمريكيون هذا الهدف تقريبا «أو هم في سبيلهم الى تحقيقه استجابة لطلباتنا، وبقي حجر واحد علينا إسقاطه من أجل إحداث التوازن وهو المتمثل في ايران، إن كلا من الدب الروسي والتنين الصيني لن يقفا موقف المتفرج، ونحن نمهد الطريق أمامنا خصوصا بعد أن تشن إسرائيل حربا جديدة بكل ما أوتيت من قوة لقتل أكبر قدر من العرب، وهنا سيستيقظ الدب الروسي والتنين الصيني، وقتها سيكون نصف الشرق الأوسط على الأقل قد أصبح إسرائيلياً، وستصبح المهمة ملقاة على عاتق الجنود الأمريكيين والغربيين المدربين تدريباً جيداً والمستعدين في أي وقت لدخول حرب عالمية ثالثة يواجهون فيها الروس والصينيين، ومن وسط ركام الحرب هذه سيتم بناء قوة عظمى وحيدة قوية صلبة منتصرة هي الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم، وهي الولايات المتحدة التي تملك أكبر ترسانة سلاح في العالم، لا يعرف عنها الآخرون شيئا، وسوف تقوم بعرضها أمام العالم في الوقت المناسب، إن طبول الحرب تدق ومن لا يسمعها فهو مصاب بالصمم».
لايخلو كلام بريجينسكى من المبالغة والغرور والزهو، لكن سيكون من الخطأ الكبير أن نعتقد أنه نزوة نرجسية أو شيفونية مؤقتة، إنما هو كلام يعكس بعمق واحدة من الصفات الثابتة للتفكير الغربى تجاه الشرق بل تجاه جميع الشعوب الأخرى التى لا تنتمى إلى محيطه الحضارى أو العقائدى.
حصان طروادة
لقد أذاقنا الغرب مرارة الاستعمار، ومازال يسعى إلى فرض هيمنته علينا بشتى الأساليب، وأهم أوراق الضغط واللعب فى يده هى « الإسلام السياسى» الذى يعتبره ضرورة لابد منها لأكثر من سبب، أهمها أنها عوامل فرقة وتدهور وخراب فى أوطانهم، إنهم «حصان طروادة» عدو داخلى أمره بيد الخارج، ليهدم البناء على من فيه.. فمن أنشأ الاخوان المسلمين ومازال يدعمهم ويدافع عنهم بضراوة، بل من الذى أوجد القاعدة ومن الذى صنع داعش..إن أى شخص يعتقد أن هناك دورا لداعش اكثر من إراقة الدماء وخلق فتنة بين الحكام ومحكوميهم، فى اى جزء من بلاد العرب، فهو مخطىء .. فلا القاعده قبلها نصرت الاسلام، ولا الاخوان كان دستورهم القرآن، ولا الخلافة الرشيدة كانت مصير طالبان عندما حكموا افغانستان، ولا حتى إيران فعلتها، .. الخلاصه هى: أن أصحاب اللحى إذا دخلوا ثورةٌ سرقوها، وإذا حكموا دولة فتتوها وقسموها، الأرجح أننا سندهش لو قرأنا «أوراق جمال حمدان» وتحليله العميق الكاشف لظاهرة الإسلام السياسى وجماعات العنف والتطرف ومدى ارتباطها بالتصورات الغربية للمنطقة العربية، يقول: إن «الحركات الإسلامية المتطرفة هي وباء دوري يصيب العالم الإسلامي في فترات الضعف السياسي أمام العدو الخارجي. وهي نوع من التشنج الطبيعي بسبب عجز الجسم عن المقاومة، ثمّ الآن تحوّلت إلى وباء شامل يتحوّل بدوره إلى وباء مزمن». ويتهم حمدان الغرب الاستعماري بأنه «أكثر من أراد أن يوظف الإسلام سياسيا»، بهدف الهيمنة على العالم الإسلامي و«استغلاله وتسخيره لأغراضه الإمبريالية العليا واستراتيجيته الكوكبية العدوانية».
لكن بعيدا عن اى معيار أخلاقى أو إنسانى، هل أخطأ الغرب فى أن يفعل بنا وغيرنا من الشعوب، ما يفعل حاليا، ألا يحق له الدفاع (عما يراه) مصلحته؟، ألا تفعل كل الشعوب ذلك بتأمين مصالحها وإقصاء أو تحييد خصومها؟.

لا ..للمؤامرة

الواضح أن اقتناعنا بفكرة المؤامرة الغربية، ربما يكون أخطر من وجودها نفسه، فهي تعفينا من مواجهة عيوبنا، وبذل الجهد اللازم من أجل إصلاحها، مادمنا على الدوام ضحايا لتلك المؤامرة التي هي الشغل الشاغل، والهم الأزلي، لهذا الغرب المتنمر، إن أحدا لا يود أن يبرئ الغرب من محاولات السيطرة على الدنيا، لكنها محاولات لا تنجح إلا مع الضعفاء، مما يستلزم امتلاك أسباب القوة والمنعة فى مواجهة أى منازلة حضارية، بصرف النظر عن هوية الطرف الآخر فيها، غربيا، شرقيا، شماليا، جنوبيا، .. علينا أن نوقف محركات التدهور والانهيار المتمثلة أولا فى: انتشار الفقر بمختلف مظاهره، من الجوع والظمأ والحرمان والمرض والجهل والتشرد وإهدار الكرامة والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أن نكافح ثرثرات الحلال والحرام، والتطرف والعنف والإرهاب التى ينشرها بعضنا، بزعم الدفاع عن الإسلام وهو منها براء، إن أعظم قيمة فى الإسلام –فى تقديرى- أنه دين (العدل)، ومن قبله الرحمة والتسامح، لا القتل وسفك الدماء..و سيكون هذا خطوة على طريق طويل، بدلا من الركض خلف السراب والأوهام، والاكتفاء بالاستغاثة من «الذئب « الذي لن يستطيع اقتحامنا، لو بذلنا من الجهد ما يجعل أسوارنا تعلو يوما بعد يوم.
لأجل ذلك ستظل كتابات إدوارد سعيد- الفلسطينى الأصل الأمريكى الجنسية، المسيحى الديانة ابن الحضارة العربية الإسلامية- سيفا مشهرا فى وجه كل من تسول له نفسه اختصار العرب والمسلمين أو مسخهم فى رواسب وقوالب ذهنية وفق الأهواء والرغبات التى تحوكها العنصرية والتمركز حول الذات والإحساس بالتفوق المبنى على قسمة العالم الى شرق وغرب، خاصة بعدما التقى «ماء الحضارات» على أمر قد قدر..واستطاعت مصر المحروسة أن تحبط مخطط الهيمنة على أمتها فى 30 يونيو 2013، ونفضت أدران الإخوان، لكنها مازالت بحاجة إلى أن تتوضأ من خطاياهم، بمزيد من العمل والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، بوصفها طريقا وحيدا للرقى والتقدم، فى عالم مؤلم وجارح ومتربص بطبيعته لا بالمؤامرة ..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.