كثيرا ما نستخدم صفتى الزعيم والرئيس بالتبادل فى ادبيات الكتابة دون وعى او ادراك للفارق الكبير و العظيم بين قيمة كل من الصفتين , بعد بحث عن الفارق اللغوى بينهما تبين ان الزعيم هو القائد ,الملهم , الموهوب , المثابر, ذو الكاريزما التى تمكنه من السيطرة على من يحكم , هو ايضا صاحب حلم وخيال سياسى جامح و ايضا صاحب عزيمة لتحقيق حلمه ----- هذا هو الزعيم, اما الرئيس فهو درجة ادنى بكثير من الزعيم و لا نبالغ اذا قلنا ان الرئيس هو خادم الزعيم الذى يحقق حلمه , فكلمة رئيس تعنى الشخص القادر على ادارة مجموعة من الناس بهدف الوصول الى هدف محدد , اى ان رئيس الدولة هو مجرد موظف لدى الشعب مهمته هى رعاية و تنمية مصالح هذا الشعب مثله مثل رئيس بنك و رئيس قسم وحتى رئيس وردية . كان قرار الرئيس مبارك بالتنحى قرارا متوقعا من الجميع و الكل فى الداخل و الخارج كان يعلم ان المسالة مسالة وقت و ان الرئيس سيتنحى فى جميع الاحوال حيث ان التيار كان جامحا و لايمكن مواجهته باية حيل مهما بلغت مراوغتها , و لكن ما حدث ادار مؤشر التاريخ الى الوراء و تحديدا الى ليلة التاسع من يونيو 1967 حين تنحى الزعيم جمال عبدالناصر عن الحكم بعد هزيمة عسكرية عنيفة اطاحت بكل احلامه و خياله السياسى الواسع و احلام افراد امته العربية , وبدات النقاشات السياسية فى البيوت و اماكن العمل فى النهار و فى اللجان الشعبية اثناء الليل و فرضت المقارنة نفسها بين تنحى الزعيم و تنحى الرئيس . بعد هزيمة 1967 خرج جمال عبدالناصر – الزعيم – ليصارح شعبه المخدوع ببيانات عسكرية كاذبة اوهمت الشعب بان الجيش المصرى على ابواب تل ابيب - كان عليه ان يصارح شعبه بان مصر تم نكستها عسكريا و هى مهمة ذات عبىء نفسى رهيب لا يتحملها الا زعيم من نوع خاص صاحب كاريزما خاصة , وظهر ناصر على شاشات التليفزيون و دوى صوته على جميع الموجات الاذاعية و قال بالحرف الواحد " اننى على استعداد لتحمل المسؤلية كلها , و لقد اتخذت قرارا ارجوا ان تساعدونى عليه , فلقد قررت ان اتنحى تماما و نهائيا عن اى منصب رسمى و ان اعود الى صفوف المواطنين اؤدى واجبى " اطلق جمال طلقته و هو صادق تماما بل انه كلف زكريا محيى الدين بتولى المسؤلية طبقا للدستور و كان صادقا ايضا فى ذلك و ارسل استقالته مكتوبة الى مجلس الامة – و خرجت جموع الشعب تطالبه بالبقاء و هى غارقة فى بحور صنعتها الدموع و كانت هى الاخرى صادقة فى طلبها و حافظ عبدالناصر على زعامته بعد ان واجه شعبه بشجاعة ادبية و بذكاء سياسى نادر ----- فمن الصعب على الابن ان يرى ابيه مهزوما , منكسرا , فلا يكون امامه الا ان يهب لنجدة ابيه حتى يحافظ على هيبته و كرامته – هذة هى المعادلة السحرية التى حققها الزعيم حينما واجه شعبه . اما فى حالة حسنى مبارك – الرئيس – كان رد الفعل اقل بكثير من الفعل نفسه , فعبدالناصر كان مهزوما مع شعبه وكان يريد ان يعبر به من هذا النفق المظلم , و لكن مأزق مبارك انه هو الذى هزم شعبه بعد ان تمطع على صدره ثلاثون عاما عششت فيهم وطاويط الفساد فى كل اركان البلاد حتى اصبح الشعب المصرى مهزوما فى كل المجالات , سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا وفنيا و اقتصاديا ----- الخ فى كل نواحى الحياة , لذلك كان مبارك فى حاجة الى قدرة نفسية رهيبة حتى يواجه شعبه بما الحقه به , كان عليه ان يعتذر و لكن للاسف كانت خطاباته كلها واهية , خطابات تؤكد مدى الفجوة الرهيبة بين الرئيس و بين شعبه , فالشعب يردد ( الشعب يريد اسقاط النظام ) , بينما يكتفى الرئيس بان يقيل حكومته الفاشلة و كأنه لم يكن يعلم بفشلها , ان رد الفعل هذا يؤكد صدق نظرية الفارق الرهيب بين الزعامة و بين الرئاسة , فجمال عبدالناصر تصرف كزعيم يواجه شعبه بحضن دافىء ليحتوى انكساره , اما مبارك فكان تصرفه مثل تصرف مدير عام اكتفى بفصل بعض موظفيه ليرضى غضب عماله ----- و بعد ايام يخاطب شعبه خطابا عاطفيا ابكى كل ربات البيوت و فى اليوم التالى اقتحمت خيوله و جماله صفوف الثوار فى محاولة دنيئة للنيل من انتفاضة شعبه . حتى فى لحظة التنحى و التى لم تأت برغبته , لم يكلف نفسه ليواجه شعبه و يبلغه اعتذاره و تنحيه وانما اكتفى ببيان مقتضب تلاه نائبه عمر سليمان بعد ان غادر البلاد ليستجم فى شرم الشيخ و كان نصه - (قرر السيد الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية و قد كلف المجلس الاعلى للقوات المسلحة بادارة شؤن البلاد ) - قرار يشبه القرارات الادارية التى تعلق على الحائط بالاضافة الى صيغة الاستعلاء على الشعب بما يحتويه من صيغة التقرير و التكليف و كأنه قرار اجازة مصيف و ليس قرارا بالتنحى المزيد من مقالات وسام أبوالعطا