حينما يقرر لاعب ان ينسحب من السباق, فهذا يعنى انه يعى جيدا ان فرصته فى الفوز شبه معدومة - وهذا هو بالفعل ما يعنيه قرار الدكتور محمد البرادعى بالانسحب من سباق الترشح لرئاسة مصر, لقد ادرك البرادعى ان شعبيته فى الشارع المصرى تكاد تقترب من الحد الادنى ولسبب بسيط جدا, وهو عدم امتلاك البرادعى للكاريزما الشعبية والتى تعتبر المؤهل الاول والاهم لاى مرشح فى اى مكان على ارض المحروسة, اهم حتى من برنامجه السياسى, فهذه الكاريزما هى التى انقذت عبدالناصر من سخط الشعب المصرى بعد هزيمة 1967, وهى التى مررت موقف السادات من زيارته لاسرائيل 1977, وهى ايضا التى مكنت مبارك من التمطع ثلاثون عاما على صدور الشعب المصرى حيث كان يتميز بالبساطة فى الحديث الشعبى.... وهى ايضا الكاريزما التى ادى غيابها الى نفور الشعب المصرى من جمال مبارك وعدم تقبله خليفا لوالده.... انها الكاريزما التى تسحر الشعب المصرى الطيب عملا بالمثل الشعبى العبقرى (لاقينى ولا تغدينى)...... لم يستطع الشعب المصرى ان يهضم وجدانه محمد البرادعى الذى كان حريصا فى كل صوره على اناقته وعلى وضع ساق على ساق مواجها الشعب بحذائه الغالى غير مبالى بان الاناقة الزائدة تستفذ هذا الشعب البسيط الذى يكمل عشاؤه نوم ويشرب الشاى الكشرى ويتم حشره فى وسائل المواصلات التى لم يركبها البرادعى... ومن لا يركب وسائل النقل العام لن يستطيع ان يفهم الشعب المصرى. لم يستطع البرادعى ان يبهر الشعب الذكى, الحويط..... فى البداية حاول الظهور بمظر الثورى وهو لم يكن يوما ثوريا, فهو ليس صاحب تاريخ سياسى ولكنه كان صاحب منصب دولى من الممكن ان يصل اليه اى موظف مجتهد والموظف لا يصلح رئيسا لدولة, لقد انخدع الدكتور البرادعى فى التفاف النخبة المثقفة حوله قبل ثورة 25 يناير, فالناس فى هذة المرحلة كانت تتحسس اى طوق للنجاة ينتشلها من نير النظام السابق وكان البرادعى احد الشموع التى ظن الناس انها قد تقود الى طاقة امل ولكن سرعان ما تلاشى الامل مع غياب البرادعى عن الشارع فى الايام الاولى لثورة يناير, فقد كان غيابه محل انتقاد حتى من اعوانه وكان احد أهم أسباب الانشقاق عنه. والغريب انه من اهم حيثيات انسحاب البرادعى من سباق الرئاسة انه اكتشف فجأة عشوائية الأسلوب الذى يدير به المجلس العسكرى المرحلة الانتقالية, الم يشعر البرادعى بهذه العشوائية الا قبل فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة بثلاثة اشهر, الم يشعر بها حينما كان طامعا فى منصب رئيس الوزراء قبل تكليف الدكتور الجنزورى متنازلا عن منصب الرئيس مما يدلل انه طامعا فى وظيفة وليس فى زعامة.... ان منصب الرئيس يحتاج الى مقاتل وكان اجدر بالبرادعى ان يكمل السباق الى النهاية حتى لو كانت النتيجة هى الخسارة فالفارس لا يترك سلاحه الى قاتلا او مقتولا, اما الانسحاب فلا تفسير له سوى الهروب من المواجهة والهروب ليس من صفات الزعماء, كان اجدر به ان ينول شرف المحاولة حتى يرحمه التاريخ ولكن التاريخ لن ينسى له ذلك ولن يغفر له من أيدوه. لقد اراد البرادعى ان يرتدى ثوب عبدالناصر ويحاكى تنحيه فى 1967 وتخرج له افراد الشعب تطالبه بالبقاء ولكن خاب امل البرادعى بعد ان اكتشف ان الثوب واسع وقد يتوه فى طياته, فلو كان البرادعى يمتلك رصيدا فى الشارع لتظاهر الالاف تحت بيته مطالبين باستمراره فى السباق ولكن لم يذهب اليه سوى افرادا لا يتجاوز عددهم اصابع اليدين ومعظمهم من الوجوه الاعلامية التى تتعامل مع الامر كسبوبة لسهرات التوك شو. يحسب للبرادعى فقط انه كان احدى شرارات ثورة يناير ولكن الشرر لا يصلح لان يكون وقودا... فالوقود الحقيقى هو الشعب المصرى العبقرى الذى سقط شهدائه ليسترد حريته اما اذا كان الدكتور البرادعى قد اتخذ قرار الانسحاب كخطوة استراتيجية لجس النبض, فليدرك ان النبض قد توقف..... تماما. المزيد من مقالات وسام أبوالعطا