التوريث في حياتنا.. منذ صدر الإسلام بقلم : عباس الطرابيلي منذ 45 دقيقة 26 ثانية عن التوريث نتحدث اليوم.. والتوريث آفة رهيبة عرفها العالم منذ القدم.. ولم تنشأ هذه الظاهرة إلا في الأسرة الواحدة.. حتي وصل الأمر إلي أن يقتل الأخ أخاه الأكبر ليتخلص منه ويصل هو إلي العرش.. أو يقتل الأخ الأكبر كل إخوته الاصغر حتي لا يخرج منهم من ينازعه السلطان، وقد حدث ذلك كثيراً وبالذات في البيت العثماني التركي!! والتاريخ مملوء بالقصص والعبر.. وفي صدر الاسلام تم حسم هذه القضية.. اذ ماذا كان يحدث لو ورث الخليفة أبو بكر الصديق - أول خليفة لرسول الله - ولده محمد وأجلسه مكانه.. لو كان قد حدث ذلك لما وصلت الخلافة إلي الفاروق عمر بن الخطاب. ولما كسبنا ما قدم عمر لتلك الدولة الاسلامية الفتية. فهو المؤسس الفعلي لهذه الدولة وواضع معظم قوانينها.. ولصارت الخلافة والامامة في بيت أبو بكر.. ولو ورث عمر بن الخطاب ولده عبدالله الخلافة ولم يرشح ستة من كبار الصحابة ليختار منه المسلمون الخليفة من بعده.. لما جاء ذو النورين عثمان بن عفان وهو الذي كان يوجه قوافل التجارة من ماله الخاص ليأكل منها المسلمون.. ولما جاء بعده الامام علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله وأصغر فدائي في الاسلام يوم نام علي، في فراش الرسول الكريم عندما قرر الهجرة إلي المدينة.. وهكذا. بل كانت الدنيا ستتغير بالفعل. ولكن أحداً من هؤلاء العظماء لم يفعلها.. وترك الأمر شوري بين المسلمين. وفي أعقاب ذلك عندما أراد معاوية بن ابي سفيان توريث الحكم لولده يزيد وأراد أخذ البيعة له تصدي له ابناء كل هؤلاء الخلفاء، أمراء المؤمنين: ابن أبيبكر.. وابن عمر وابن علي وابن الزبير وابن طلحة.. وغيرهم وعندما جمعهم وغادر دمشق - مقر ملكه - وسافر إلي المدينةالمنورة ليقنع هؤلاء بالبيعة لولده.. تصدي له كل هؤلاء وقالوها له هل تريدها رومية؟. أي كما كان يفعل اباطرة الروم.. ورفضوا اعطاء البيعة لولده يزيد.. وفي العصر الحديث رحل جمال عبدالناصر - في مثل هذا الشهر - في ظروف مأساوية، رحل دون ان يوصي بولده البكر خالد.. بينما عبدالناصر هو الزعيم الاسطوري الذي قاد ثورة يوليو وألهب عواطف الجماهير.. وهو الزعيم الذي أعادته الجماهير إلي مقاعد الحكم، رغم انه كان مهزوماً وبسبب سوء تصرفه السياسي ترك البلاد محتلة.. وكانت اسرائيل تحتل كل سيناء «61 ألف كم» وتجثم أحذية جنودها علي شاطئ قناة السويس، بينما كل مدن قناة السويس من الشمال إلي الجنوب وكل القري بينها.. ترك كل ذلك مدمراً وسكانها مشردين في مدن الدلتا ومدن الصعيد أيضاً.. كان يمكن لرجال عبدالناصر ان يجمعوا البيعة لخالد - الابن الاكبر للزعيم.. ولم يكن أحد سيعترض وقتها فالجماهير التي خرجت لوداع الزعيم.. لم تخرج لأحد بعده بمثل هذه الكثافة.. وكانت نفس الجماهير سوف تصفق وهي تجلس ابن الزعيم في مقعد والده.. بأغلبية كاسحة.. ولكن الرجل رحمة الله لم يفعل ذلك ولم يوص به لأحد من رجاله.. بل عاش هذا الابن نظيف اليد، عفيف اللسان.. لم نسمع أنه طمع في شقة ولا حلم بأرض.. ولم يكون الثروات.. حتي رحل وبكته الامة كلها منذ أيام.. ثم رحل انور السادات في ظروف اكثر مأساوية.. فقد استشهد يوم عرسه.. في اليوم الذي أعطي جيش مصر الاوامر بالعبور إلي سيناء.. وتحريرها.. وهو الزعيم الذي لم يكن في مصر يومها من يقرر أن يأخذ قرار الحرب.. فأخذ هو هذا القرار.. وحرر سيناء.. ولو كان رجال انور السادات دعوا لتولي ابنه جمال أنور السادات لأمور الحكم.. ما كان أحد يستطيع ان يعترض.. ولو كان أحد فعل ذلك ما اعترض حتي اكثر الطامعين في الحكم.. رغم حداثة سنه.. ولكن منذ متي كان الناس يأخذون بالأعمار.. بل كنا سنسمع ونردد ربما دون تفكير: مات الملك.. عاش الملك.. ولكننا كنا نؤمن في مصر بأننا دولة جمهورية.. ولأن الجمهورية لا تورث ولا وراثة في الجمهورية لم نسمع - مجرد سمع - من يفكر في أن يرث لا خالد اباه جمال عبدالناصر.. ولا ان يرث جمال والده أنور السادات.. ولكننا سمعنا في السنوات العشر الاخيرة من يتحدث عن توريث جمال لوالده حسني مبارك. وإذا لم يكن حسني مبارك مع هذه الفكرة، بل ونفاها مراراً.. فان هذا لم يمنع حرم الرئيس حسني مبارك - السيدة سوزان ثابت - من ان تخطط وتحاول ان تنفذ حلمها لتظل هي «الملكة الام» .. بعد رحيل زوجها حسني مبارك.. فإذا كان خالد عبدالناصر اكتفي بلقب أحبه كثيراً الاستاذ الدكتور المهندس استاذا في هندسة جامعة القاهرة. وإذا كان جمال السادات قد اكتفي بعمله في القطاع الخاص.. فان جمال حسني مبارك كان يحلم ويخطط.. والحمد لله لم يتحقق ذلك. رحم الله السيدة العظيمة تحية كاظم التي كانت نعم الزوجة.. واطال الله عمر السيدة الرائعة جيهان السادات التي اعطت لمصر المثل علي العطاء.. ولم تأخذ شيئاً. وشتان بين العظماء وابناء العظماء.. وزوجات العظماء ومن ظلوا يحلمون بالتوريث.. وجمع المال والثروات.