اندهش الكثيرون من موقف الامين العام للامم المتحدة "بان كي مون" من العدوان الاسرائيلي علي غزة. وخاصة فيما يتعلق بقصف منشآت الاممالمتحدة ومستشفيات ومدارس الانروا مكتفياً باستنكار العدوان دون كلمة إدانة. ولعل فيما يلي ما يزيل الدهشة. فما اشبه اليوم بالامس! يوم الجمعة الماضي نشر موقع ويكيليكس وثائق تشير الي ان "بان" وجه رسالة لمجلس الامن يطلب فيها عدم اخذ التوصيات التي تضمنها تقرير فريق التحقيق الدولي في الاعتبار! فماذا جاء في هذا التقرير؟. تضمن التقرير إثبات ان جيش الدفاع الاسرائيلي له دور مباشر في سبع عمليات قصف وعدوان علي مقار الاممالمتحدة في غزة من اجمالي تسع عمليات تعرضت لها هذه المقار تمت في ديسمبر 2008 ويناير 2009 وكانت محل تحقيق التقرير. كما اتهم التقرير اسرائيل بخرق حصانة منشآت الاممالمتحدة، التي لايجوز المساس بها. كما يدين التقريرالجيش الاسرائيلي لعدم اتخاذه الاجراءات الكافية لحماية هذه المنشآت وموظفي الاممالمتحدة، وكذلك حماية المدنيين الفلسطينيين الذين لجأوا بمستشفيات ومدارس الانروا خوفا من الغارات الاسرائيلية. اما توصيات التقرير التي طلب "بان" تجاهلها فكان اهمها مايلي: - ضمان فتح تحقيق حول عمليات الهجوم الاخري علي مقار الاممالمتحدة وموظفيها التي لم يشملها التقريرالحالي وفقا للصلاحية الموكلة له. - التوصية بفتح تحقيق موسع في عمليات القصف التسعة علي مقار الاممالمتحدة وان يتم ايضا التحقيق في العمليات العسكرية التي لا تتعلق بمقار او موظفي الاممالمتحدة وكان ضحاياها من المدنيين، وان يكون ذلك جزءا لا يتجزأ من تحقيق محايد حول "ما تردد عن خرق القانون الدولي الانساني في غزة وجنوب اسرائيل من جيش اسرائيل وحماس وميليشيات فلسطينية اخري". وكشفت ويكيليكس عن اسباب ما تضمنته رسالة "بان" الي مجلس الامن بعدم الاخذ بتوصيات فريق التحقيق المستقل والمكلف من قبل الاممالمتحدة!! نعم المكلف من قبل الاممالمتحدة! في الاعتبار وهذه هي الاسباب: فوفقا لويكيليكس فان "سوزان رايس" مستشارة الرئيس الامريكي للامن القومي حاليا والتي شغلت منصب المندوبة الدائمة لواشنجتن لدي الاممالمتحدة في نيويورك في فترة التقرير، اتصلت بالامين العام اربع مرات وطلبت منه "عدم تضمين توصيات فريق التحقيق في التقرير النهائي الذي سيرفعه الي مجلس الامن وان "بان" رد بان حركته محدودة فيما يمكن ان يفعله لان فريق التحقيق مستقل، ولأن التقرير وتوصياته يخص الفريق، ولذا لا يستطيع تغييره"! ثم عاودت «رايس» الاتصال وطلبت منه ان يوضح في خطابه الي مجلس الامن "ان توصيات فريق التحقيق تجاوزت نطاق صلاحيات الفريق ومرجعيته، وانه ليس مطلوبا من المجلس اتخاذ اي اجراء. " فماذا كان رد "الامين" العام؟.. ابلغ "بان" السفيرة "رايس" ان موظفيه عاكفون مع وفد اسرائيلي علي صياغة خطابه الي مجلس الامن. وكان رد "رايس" هو التنبيه عليه بان يعاود الاتصال بها قبل ارسال الخطاب وتقرير فريق التحقيق الي مجلس الامن! وبالفعل وتنفيذا للأوامر أكد "الامين" العام للسفيرة الامريكية "انه تم التوصل الي صيغة مُرضية للخطاب الذي سيوجهه الي مجلس الامن" وقد تضمن الخطاب "المُرضي"مايلي: - ان فريق التحقيق غير مختص بالنظر في المسائل القانونية او التوصل الي نتائج قانونية. - ان اسرائيل مستمرة في التعاون مع سكرتارية الاممالمتحدة بشأن توصيات فريق التحقيق. - ان "الامين" العام لن يطلب اي اجراء اضافي في التوصيات التي طرحها فريق التحقيق والتي تتجاوز صلاحياته ومرجعيته وبصفة خاصة التصويتين رقمي 10 و11 المشار اليهما اعلاه الخاصتين بفتح تحقيق موسع في الاعتداءات الاسرائيلية علي مقار الاممالمتحدة وموظفيها والمدنيين، وكذلك خروقات القانون الدولي الانساني!. وما دفعني الي كتابة مقالي هذا هو انه من ناحية آن الاوان لان نرفع الصوت عالياً لرفض الكيل بمكيالين. ففي حين تسخر القوي التي انشأت "هيومان رايتس واتش" واخواتها وامثالها ضد بوتين روسيا لتصف ما جري في اوكرانيا مؤخرا بانه جرائم ضد الانسانية، ثم ضد مصر السيسي بان فض اعتصام رابعة المسلح لتنظيم ارهابي جريمة ضد الانسانية، فإن هذه القوي ويساندها الامين العام ترفض مجرد التحقيق في عمليات الجيش الاسرائيلي متجاهلة الاف القتلي من الاطفال والنساء والشيوخ من المدنيين العزل وعشرات الآلاف من الجرحي، فضلا عن قصف مقار الاممالمتحدة وموظفيها! بل ويزورون الحقيقة. ومن ناحية اخري فانني وانا اقرأ ما نشرته ويكيليكس وجدتني اعود بالذاكرة الي الفترة من يناير 1992 الي ديسمبر 1996 والتي كان فيها د.بطرس بطرس غالي اول مصري وعربي وافريقي يشغل هذا المنصب، وكنت شاهدة مباشرة عليها عندما شرفني د.غالي باختياري للعمل معه في نيويورك كمستشارة خاصة له، وكنت وقت انتخابه مستشارة دبلوماسية بمكتبه في الخارجية عندما كان نائبا لرئيس الوزراء للعلاقات الخارجية. واجه د.غالي العديد من المواقف والأحداث المشابهة لما يواجهه "بان" منذ بداية ولايته، مع طرد اسرائيل أكثر من400 فلسطيني، وازمات الصومال ورواندا وحروب البلقان واعتداءات اسرائيلية متكررة، وذلك علي سبيل المثال لا الحصر. فماذا كان موقف المصري الشجاع بطرس غالي؟ ساكتفي بالمقارنة بازمتين لانهما تحملان دلالة هامة وكاشفة، الاولي ازمة طرد اسرائيل أكثر من 400 فلسطيني خارج الاراضي الفلسطينية وكانت في بداية ولاية د بطرس غالي، والثانية مذبحة قانا الاولي في النصف الاول من عام 1996 في وقت قاربت فيه فترة السنوات الخمس المحددة لولاية الامين العام علي الانتهاء. لمزيد من مقالات د. فايزة أبو النجا