في دمياط فرضت الظروف العامة للبلد نفسها علي المحافظ والسياسات معا لتصبح صورة الإنجازات مشوشة وغامضة في فترة كانت استثنائية وعصيبة ، ولتبقي المحافظة التي يفترض أن يكون عنوانها «التنمية وتعزيز القيمة المضافة للاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل» حبيسة الأحلام والوعود ليس إلا .. عام عاصف من عمر دمياط تخللته أحداث أمنية وأعمال إرهابية قد يحسب فيها للمحافظ اللواء محمد عبد اللطيف منصور نجاحه الأمني نسبيا في التهدئة والاستقرار رغم حوادث الاختطاف وانتشار المخدرات ومسيرات الجماعة المحظورة . لكن البعد التنموي والخدماتي كان مخيبا لآمال كثيرين من أبناء المحافظة الذين يعيشون علي ذكري انجازات محافظين سابقين مثل الدكتور فتحي البرادعي فصناعة الأثاث وصيد الأسماك كانتا أبرز القطاعات التي لم ينجح محافظ دمياط إلي الآن في وضع حلول سريعة لهمومها وفضل أن يكون إسهامه فيها وضع مقترحات لم تر النور من قبيل تأسيس صندوق تمويلي تكافلي بين المصنعين ،أو تصريحاته بأنه سيعمل علي الحد من إرتفاع أسعار خامات الموبيليا ، ثم الهروب إلي المستقبل بالحديث عن خطة لتأسيس مدينة صناعية في شطا لورش الأثاث ،أو الحديث عن ميناء للصيد في عزبة البرج دون الولوج بعمق في مشكلات الصيادين ومراكبهم وأوضاع مزارع الاستزراع السمكي وبحيرة المنزلة ، في الوقت الذي لم يتخذ إجراءات عملية في تطوير البنية السياحية لرأس البر من خلال إستكمال أعمال فندق اللسان والتي بقيت قيد المداولات الورقية والعروض علي المستثمرين والبنوك . بينما يري كثيرون في دمياط أن فترة سنة مضطربة قد لا تكون مناسبة وموضوعية للحكم علي أداء محافظ يحتاج إلي مزيد من الوقت لتفهم الملفات الصعبة ودراستها ومعالجتها ، لكن الشارع الدمياطي منقسم في شأن تقويمه له ما بين مؤيد ومنتقد ، راض وناقم ..بعضهم يعتقد أن المحافظ لم يقصر مطلقا في بذل كل جهد ممكن ، وآخرون أطلقوا صفحة علي مواقع التواصل الإجتماعي تحت اسم « استمارة 6» لرحيله . وتؤكد عينات عشوائية من أهالي دمياط التقتها « الأهرام « أن المحافظ اسهم بالحركية والنشاط الميداني والوجود علي الأرض وبين الناس كثيرا ، وأنه ركز علي رفع الإشغالات في الشوارع والميادين والاعتداءات علي الأراضي الزراعية وأملاك الدولة وأعمال الرصف الخرساني لمداخل وشوارع القري والمدن ، لكن حصيلة هذه الجولات كانت ضعيفة جدا بالنظر إلي نتائجها الحقيقية ، وقد يكون خلف ذلك عدم تعاون الأجهزة التنفيذية بالمحافظة أو رؤساء المدن معه أو عدم المتابعة السليمة، ويؤكد هذه الحقيقة مشكلة النظافة وانتشار أكوام القمامة في كل مكان وأزمات المواصلات التي وعد بحلها من خلال أسطول جديد لنقل الركاب لم يأت بعد ، واسترداد 20 % فقط من مساحة ألف فدان تم الاعتداء عليها بالبناء في الأراضي الزراعية في زمام المحافظة . وبينما يشكو المحافظ نفسه من مشكلات حقيقية مثل عدم ولاية المحافظة علي أكثر من ثلثي أراضيها التي تتجاوز بقليل ألف كم مربع وتشرف عليها مركزيا جهات أخري مثل وزارات النقل والإسكان والزراعة ،الأمر الذي يحد من قدراته في الحركة وإيجاد مساحات من الأراضي لتنفيذ المشاريع أو التوسع أفقيا في البناء والتنمية ، فإن البنية التحتية في دمياط تعاني حالة من الشلل سواء في قطاع الصرف الصحي أو الطرق المتهالكة وخاصة التي تربطها مع المحافظات الأخري نتيجة مرور شاحنات النقل الكبيرة إلي ميناء دمياط ، وكذلك مشكلة التلوث في نهر النيل نتيجة صرف الشركات والأهالي فيه والتعدي علي شواطئه ووجود آلاف من الأقفاص السمكية المدمرة للبيئة في نهاية مصب نهر النيل وبالقرب من محطات معالجة مياه الشرب مما يسبب أمراضا خطيرة للسكان . وكان من بين الأمور المستغربة اصطحاب محافظ دمياط قوة من الجيش لتأمين عمل شركة مصر لإنتاج الأسمدة « موبكو « لإنشاء خط مياه لتغذية توسعاتها من مياه النيل، وذلك بالمخالفة لتوصيات اللجنة العلمية لتقييم الأثر البيئي والمشكلة بمعرفة مجلس الوزراء، والتي كانت قد ألزمت الشركة من قبل بإنشاء محطة تحلية بدلا من استخدام مياه النيل في الأغراض الصناعية ، وهو الأمر الذي أثار غضب أهالي قرية السنانية القريبة من المصنع . ويعتبر البرلماني السابق الدكتور جمال الزيني أن رحيل اللواء محمد عبد اللطيف منصور، محافظ دمياط، أمر طبيعي ومتوقع؛ لأنه لم يكن أبدا علي القدر والمستوي المطلوب لمحافظة دمياط الفريدة والمتميزة تاريخيا وجغرافيا ولم يتمكن من استثمار إمكاناتها في جميع المجالات، ولم يتفهم طبيعة شعبها المكافح من أجل لقمة العيش ولم يعرف أن الدمايطة يعشقون العمل ويقدسون الوقت ويبحثون دائما عن الحياة الكريمة شكلا وموضوعا.