القنوات الناقلة لمباراة مصر وتنزانيا اليوم مباشر في أمم أفريقيا للشباب.. والموعد    تبدأ 18 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الرابع الابتدائي بالدقهلية    تويوتا كورولا كروس هايبرد 2026.. مُجددة بشبك أمامي جديد كليًا    مصر تنضم رسميًا إلى الاتحاد الدولي لجمعيات إلكترونيات السلامة الجوية IFATSEA    بيل جيتس ينوي إنفاق قسم كبير من ثروته على الأعمال الخيرية    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    بعد بيان الزمالك.. شوبير يثير الجدل برسالة غامضة    حبس 5 متهمين لسرقتهم السيارات والدراجات النارية بالتجمع    حملات تفتيش مكثفة لضبط جودة اللحوم والأغذية بكفر البطيخ    بجائزة 50 ألف جنيه.. محمد رمضان يعلن عن مسابقة جديدة لجمهوره (تفاصيل)    7 يونيو.. جورج وسوف يُحيي حفلًا غنائيًا في لبنان بمشاركة آدم    «الأسقفية الأنجليكانية» تهنئ الكنيسة الكاثوليكية بانتخاب بابا الفاتيكان    منح الدكتوراه الفخرية للنائب العام من جامعة المنصورة تقديرًا لإسهاماته في دعم العدالة    اجتماع بين الهيئة القومية لسلامة الغذاء المصرية واللجنة الوطنية للمستهلك بجنوب إفريقيا لتعزيز التعاون في حماية المستهلك وسلامة الغذاء    عهد جديد من النعمة والمحبة والرجاء.. الكنيسة الكاثوليكية بمصر تهنئ بابا الفاتيكان    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    زيلينسكي: هدنة ال30 يومًا ستكون مؤشرًا حقيقيًا على التحرك نحو السلام    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    كيم جونغ أون يشرف على تجربة صاروخية ويؤكد جاهزية السلاح النووي    متحدث الكنيسة الكاثوليكية: البابا الجديد للفاتيكان يسعى لبناء الجسور من أجل الحوار والسلام    دراسة: 58% يثقون في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    إلى سان ماميس مجددا.. مانشستر يونايتد يكرر سحق بلباو ويواجه توتنام في النهائي    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    موعد مباراة بيراميدز ضد البنك الأهلي في الدوري    مؤتمر النحاس: نلعب مباراة كل 4 أيام عكس بعض الفرق.. ورسالة لجماهير الأهلي    مفاجأة بعيار 21 الآن بعد آخر تراجع في سعر الذهب اليوم الجمعة 9 مايو 2025    في عطلة البنوك .. آخر تحديث لسعر الدولار اليوم بالبنك المركزي المصري    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    موجة شديدة الحرارة .. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس اليوم الجمعة 9 مايو 2025    بنك القاهرة بعد حريق عقار وسط البلد: ممتلكات الفرع وبيانات العملاء آمنة    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    كيفية استخراج كعب العمل أونلاين والأوراق المطلوبة    أيمن عطاالله: الرسوم القضائية عبء على العدالة وتهدد الاستثمار    المخرج رؤوف السيد: مضيت فيلم نجوم الساحل قبل نزول فيلم الحريفة لدور العرض    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    عاجل- مسؤول أمريكي: خطة ترامب لغزة قد تطيح بالأغلبية الحكومية لنتنياهو    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    سهير رمزي تعلق على أزمة بوسي شلبي وورثة الفنان محمود عبد العزيز    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. انتخاب الكاردينال الأمريكى روبرت فرنسيس بريفوست بابا للفاتيكان.. إعلام عبرى: ترامب قرر قطع الاتصال مع نتنياهو.. وقيمة عملة "بتكوين" تقفز ل100 ألف دولار    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود درويش الغائب الحاضر
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 08 - 2014

في أثناء الحرب على غزة كانت أشعار محمود درويش على صفحة الفيس بوك الخاصة بي وبأصدقائي هي الأكثر حضورا، ما جعلني أتساءل عن السبب، خاصة وأنه رحل منذ ست سنوات - هذه الأيام تصادف الذكرى السادسة لرحيله - وأنه ليس من مواليد المدينة التي يعد الشاعر معين بسيسو الذي دُفِنَ في القاهرة أبرز شعرائها. وكان درويش كتب عن علاقة رفيق دربه بمدينته كتابة تشير إلى أننا إذا أردنا أن نقرأ عن غزة في أعمال كاتب ما فما علينا إلا أن نقرأ أشعار بسيسو ومسرحياته "غزة مملكته الشخصية ومملكته الشعرية الخاصة، كما ستبدو غزة ناقصة" دون بسيسو.
ومن قرأ أشعار معين ومسرحياته في نهاية الستينيات وبدايه السبعينيات من القرن العشرين، لا يفاجأ بالقسوة التي مارستها "إسرائيل" في حربها على غزة..
كتب معين مسرحيته "شمشون ودليله" التي مازالت صالحة لتفسير ما يجري، والتي ربما تقول لنا لا تتفاجأوا بجنون القسوة الإسرائيلية وهذا التدمير لأحياء الشجاعية وخزاعة ولرفح أيضا "قاتلنا الجرح الأول وعلينا ألا نجرح أبدا يا شمشون"، هذا ما تقوله راجيل التي تضيف بأن قدر الإسرائيليين غير أقدار الناس جميعا ، فقدرهم قدر الأجراس إن كفت تقرع ماتت وإن كف الإسرائيليون عن قتل الفلسطينيين المقاومين انتهوا، وإن جرحوا مرة ماتوا.
ومعين ولد في الشجاعية ولم يجد له قبرا في مدينته التي كتب عنها في سيرته " دفاتر فلسطينية". هل خطر ببال نيتانياهو وطياريه ورجال مدفعيته وهم يدمرون حي الشجاعية أنهم يدمرون حي معين بسيسو؟! هل كان هؤلاء يتذكرون ما فعله الغزيون وابنتهم دليلة بشمشون وبالتالي ربطوا بين الماضي والحاضر؟ هل مازالت عقدة شمشون تكمن فيهم.
في سيرته لا ينسى معين بسيسو ما حدث لشمشون بل يربط بين مقاومة الفلسطينيون في غزة ، ما بين 1967 و1971، وما فعله الفلسطن الأوائل بشمشون ، وقوله "وغزة التي لوت ذات يوم قرْنَيْ شمشون" وأرغمت هذا الثور الأمي الصهيوني الذي كان في عضلاته أول بذور الصهيونية، أرغمت هذا – القوة الهمجية – الذي كان يربط قصاصات النيران في ذيول بنات آوى ويطلقها في زمن الحصاد، لتحرق حقول قمح أجدادنا الفلسطينيين القدامى.. غزة أرغمت هذا الشمشون على أن يفعل رغم إرادته شيئا مفيدا: أن يجر طاحون المعصرة، وأن يكتب معادلة موته : “السم الصهيوني ضد الزيت الفلسطيني".
وفي سيرته يأتي معين أيضا على إفشال غزة في الخمسينيات، مشروع توطين اللاجئين في سيناء، ما دفع إسرائيل للقيام بغارات على المدينة، وهو ما يقرؤه المرء أيضا في قصة غسان كنفاني "ورقة من غزة" ، بل وفي روايته "ما تبقى لكم" (1966).
في أثناء الحرب الأخيرة على غزة كان محمود درويش حقا هو الأكثر حضورا ، حتى من معين بسيسو نفسه، الذي اعتبر غزة ملكيته الشخصية، وكتب عنها نصوصا كثيرة: قصائد ومسرحيات وسيرة ذاتية أيضا، فلماذا لم يحضر معين بالدرجة الأولى؟
لست معنيا الآن بالإجابة عن السؤال السابق، فما يهمني هو حضور نصوص محمود درويش ، الغائب الحاضر.
لم يقم محمود درويش في غزة ، وكنت ، وأنا أقرأ أشعاره الصادرة في سبعينيات القرن العشرين، كنت أظنه زارها . في قصيدته "الخروج من ساحل المتوسط" من ديوانه "محاولة رقم 7" (1974) يكتب:

“وغزة لا تبيع البرتقال لأنه دمها المعَلَّب، كنت أهرب/ من أزقّتها ، وأكتب باسمها موتي على جميزة، فتصير سيدة/ وتحمل بي فتىً حرّاً"
وهي قصيدة شاعت وانتشرت وحفظ بعض أبناء غزة ، زمن كتابتها، بعض مقاطع منها. كانت غزة يومها تقاوم ، وكانت توجع الإسرائيليين ، ما دفع بوزير الدفاع الإسرائيلي في حينه (آريئيل شارون) إلى هدم أحياء كاملة في مخيماتها، حتى لا يخرج من أزقتها الفدائيون الذين يختفون بسرعة إذا ما لاحقهم الجنود الإسرائيليون. و في الستينيات والسبعينيات، تحديدا في 1967 و1971 ، سرت إشاعات في غزة أن شواهد قبور الشهداء تتمايل وتتحرك، كأنها تريد مقاومة الاحتلال . وقد أورد هذه القصة الروائي إميل حبيبي في روايته "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" (1974) ، وهو ما أشار إليه محمود درويش في قصيدته المذكورة:

“إذن تتحرك الأحجار،
إن طلعوا ، وإن ركعوا، وإن مروا، وإن فروا"

و “تنفُّسُ القبر القديم ،
تحرك الحجر..استرد دبيبه منكم"
وربما كان النص الأكثر حضورا لدرويش في أثناء الحروب على غزة ، هو نصه النثري الذي كتبه في السبعينيات ونشره في كتابه النثري الجميل "يوميات الحزن العادي" . هذا نص طازج كأنما كتب للتو ، بل إن المرء حين يقرؤه يتخيل أن صاحبه كتبه في أثناء الحرب الأخيرة الدائرة. كان العدو الإسرائيلي بعد اتنصاره في حرب 1967 ، مبتهجا بأحلامه ومفتونا بمغازلة الزمن – والتعبير لدرويش- إلا في غزة التي كانت بعيدة عن أقاربها ولصيقة بالأعداء :
“لأن غزة جزيرة كلما انفجرت، وهي لا تكفُّ/ عن الانفجار خدشت وجه العدو وكسرت أحلامه وصدته عن / الرضا بالزمن./ لأن الزمن في غزة شيء آخر".
هل قرأ محمود درويش كتاب الناقد المصري غالي شكري "أدب المقاومة" ولم يرُقْ له رأي شكري حين كتب أن شعراء فلسطين المحتلة عام 1948 هم شعراء احتجاج لا مقاومة ، لأنهم لا يدعون إلى المقاومة بالسلاح ، فكتب نصه عن غزة؟
ما كتبه درويش في نصه هذا "صمت من أجل غزة"، يبدو وكأنه كتبه الآن أيضا، ولم يعد الشاعر يكتب عن المدينة إلا حين زارها في 1996. في كتابه "في حضرة الغياب" (2006) ، يأتي على عودته، إثر اتفاقات أوسلو، إلى فلسطين ، وحين عاد سافر إلى غزة أولا، لا إلى رام الله، فلم ترق له المدينة التي وصفها بأنها "مدينة البؤس والبأس" . زار درويش في الضحى الحار، المخيمات ومشى بصعوبة في الأزقة، وخجل من الماء والنظافة و "ولا تصدق ، كما لم تصدق أبدا، أن أوعية البؤس هي الشرط الوحيد لتخليد أو تأكيد حق العودة. لكنك تتذكر ما ينبغي لك ألا تنساه: ضمير العالم. وتشتم نظريات التقدم ونقدية التاريخ التي قد تعيد البشرية إلى الكهف".
وفي أثناء الحرب الأخيرة على غزة ، كان درويش الغائب الحاضر.
ناقد من فلسطين العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.