تبدو الحدود بين مصر وليبيا مدخلا لمزيد من التوتر بين البلدين، فى ظل عمليات تهريب السلاح والبشر التى تتم من خلالها، وصعوبة ضبطها بالوسائل التقليدية. وجاء حادث الفرافرة الذى راح ضحيته عدد من الجنود، ليؤكد أن المنطقة الحدودية، يمكن أن تأتى من خلفها رياح وأعاصير قد يصعب صدها. لذلك فالوقوف على الجغرافية السياسية لهذه المنطقة ربما يفسر لنا الكثير من الألغاز الأمنية، وقد يكون جرس إنذار لتحديث أو إدخال تعديلات على الوسائل المستخدمة منذ فترة. يستخدم مصطلح ضبط الحدود للإشارة إلى النظام الذى يسمح بعبور الحدود الدولية وفق شروط وإجراءات من شأنها تنظيم ومراقبة حركة انتقال الأفراد والسلع والبضائع والأموال بين جانبى الحد. ويقتضى هذا النظام إقامة حواجز وموانع على طول خط الحدود، يتخللها مجموعة من المنافذ والمعابر المحكمة الضبط، تضم مكاتب للجوازات والجمارك والحجر الصحي، إلى جانب نشر قوات مسلحة لحراسة الحدود بغرض منع الإرهاب العابر لها والذى يرتبط عادة بتهريب الأسلحة والمخدرات والسلع المحظورة والهجرة غير الشرعية وغيره من أشكال العبور الذى يضر بأمن واستقرار الدول المشتركة فى هذه الحدود. ويمكن تقسيم الحدود الغربية لمصر الى قطاعين. الأول، القطاع الشمالى المتعرج من خط الحدود والذى يمثل نحو 30% من إجمالى طول الحدود الغربية البالغ 1149كم تقريبا، فهو يشمل الطريق الساحلى وهضبة السلوم التى تخنق هذا الطريق وتحوله الى الداخل فى منطقة رأس السلوم، بالإضافة الى المنخفض الذى يضم واحتى سيوة وجغبوب أو طريق الواحات. ويعد هذا القطاع هو المعبر الطبيعى الوحيد على طول الحدود وعنق الزجاجة الذى تتجمع فيه محاور الحركة الرئيسية بين جانبى الحد. ومن هنا، فإن هذا القطاع يخضع لكل إجراءات وترتيبات الضبط المتعلقة بمراقبة وتنظيم حركة انتقال الأفراد والسلع والبضائع والأموال بين جانبى الحد. على الرغم من أن هضبة السلوم الجيرية يصلح سطحها لسير مختلف وسائل النقل البرى لصلابته وانبساطه، فإن سيادة ظروف الجفاف جعلت كلا من الطريق الساحلى وطريق الواحات هما المعبران الرئيسان على طول الحدود وإن كان تميز الأول بأمطاره وقربه من المعمور وصلابة سطحه قد جعله الطريق الرئيس للحركة عبر الصحراء الليبية وجزءاً أساسياً من مسرح العمليات الحربية فى هذه الصحراء. أما الآخر فيعوق دوره كناقل للحركة عدم صلاحية أرضه التى تغطيها الكثبان الرملية والسبخات الغدقة لسير معدات النقل الثقيلة، وهو إن كان لا يصلح لعمليات الجيوش النظامية، فإنه يصلح وبامتياز كمعبر للقوافل والعصابات لاتصاله المباشر بعمق الأراضى المصرية. ربما تفسر الخلفية الجغرافية التاريخية مدى أهمية منخفض سيوة جغبوب كقاعدة للوثوب إلى واحات الصحراء الغربية وعمق الأراضى المصرية، الأمر الذى يستلزم ضرورة الاهتمام بتأمين وتحصين الحد الغربى لمصر فى قطاعه الفاصل بين واحتى سيوة وجغبوب، بما فى ذلك تلك الثغرة الفاصلة بين منقار الطلح والحميمات والتى يمكن استغلالها من جانب أية مجموعة إرهابية للتوغل فى عمق الأراضى المصرية، انطلاقا من منخفض القطاره. الثانى، القطاع الجنوبى المستقيم من خط الحدود والذى يتمشى مع خط طول 25o شرقا لمسافة تزيد على 800 كم، فهو يستند الى عقبات تضاريسية وظروف مناخية مانعة، لذا فهو لا يخضع لإجراءات وترتيبات الضبط المعتادة لتنظيم ومراقبة حركة انتقال الأفراد والسلع والأموال بين جانبى الحد، لتصبح مهمة الضبط قاصرة على أفراد حرس الحدود، التى تعمل فى ظروف طبيعية بالغة الصعوبة. ويمر هذا القطاع من الحدود بصحراء رملية شاسعة وهى المعروفة بمنطقة بحر الرمال العظيم الذى يتألف من كثبان ضخمة تبدو على شكل أمواج يتراوح ارتفاعها بين 50-150 مترا بالإضافة الى فرشات من الرمال السافية التى يستحيل على القوات الميكانيكية المدرعة اجتيازها. وهذه المنطقة وإن كانت لا تعد ميدانا مناسبا لعمليات الجيوش النظامية، إلا أنها تعد مناسبة لعمليات التسلل والتهريب، سواء باستخدام الجمال أو السيارات ذات الدفع الرباعى المزودة بأجهزة تحديد المواقع بالأقمار الصناعية. وفى ظل هذه الظروف الطبيعية غير المواتية، يصبح زرع الألغام هو أفضل الوسائل المتاحة لتأمين هذا القطاع من الحدود. وإلى جانب العقبات التضاريسية، يشكل شح المياه فى هذه العروض المدارية الشديدة الجفاف عاملا آخر من العوامل التى تزيد من صعوبة مراقبة وتأمين هذا القطاع من الحدود بمثل ما تجعل عمليات التسلل والتهريب أمراً محفوفاً بالمخاطر. وبناء على ما سبق، يمكن القول بأن القطاع الجنوبى من هذه الحدود والذى يمثل الجزء الأعظم من الحدود يصعب تصنيفه كحدود مضبوطة وهو الأمر الذى يجعله معبرا للإرهاب بامتياز، فالاعتماد على الموانع الطبيعية لم يعد يتناسب مع التطور النوعى فى الأساليب والأدوات التى تستخدمها العصابات والجماعات المسلحة والذى يجب أن يقابل بتطور نوعى فى الأساليب والأدوات من جانب قوات حرس الحدود، بما فى ذلك استخدام القمر الصناعى المصرى فى عمليات مراقبة الحدود. ومما يزيد من صعوبة ضبط هذا القطاع من الحدود، ذلك الفراغ البشرى العمرانى الذى يعانى منه الركن الجنوبى الغربى من مصر والذى يرتبط به أيضاً ضعف تأمين هذه الحدود من على الجانبين الليبى والسوداني، لاسيما فى ظل حالة التدهور الأمنى الذى يهدد كيان الدولة الليبية وتنامى قوة جماعة أنصار الشريعة فى شرقى ليبيا المتاخم للحدود المصرية والتى ربما تحاول إحياء دور الحركة السنوسية فى الصحراء الليبية، بما فى ذلك اتخاذ واحة جغبوب مركزاً للقيادة فى ليبيا وقاعدة للوثوب إلى عمق الأراضى المصرية عن طريق سيوه. لمزيد من مقالات د . محمود توفيق