العودة إلى الأصل أحمد والاستعانة بالخبرات أجدي، وعندما تتناول قضايا العصر ينبغى الاستفادة بالفكر الحديث دون إهمال تراكم المعرفة. . وهذا ما نطبقه عند التفكر فى الهدف الاستراتيجى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى ومعه الحق وهو استصلاح أربعة ملايين فدان جديدة واستزراعها، حتى يمكن لمصر توفير الحد المعقول من الغذاء والصناعات المترتبة عليه، لأبنائها، مع إمكانية التصدير، إن استطاعت إلى ذلك سبيلا..! وأعتقد أنه لا حاجة للدلالة على حتمية هذا المطلب، إذ يكفى القول إن التوسع العمرانى المتعمد والعشوائى وسوء السياسة الزراعية، قد أدى إلى التهام أراض تساوى مساحاتها وما تم استصلاحه بعد بناء سد أسوان العالى وتنظيم الرى وجهود أخري، إلى حد أننا أصبحنا الآن نعتمد على المساحة الزراعية نفسها التى كنا نعتمد عليها قبل نصف قرن، عندما كان تعدادنا نحو ثلث التعداد الحالي!! لكن.. كيف نحقق الهدف؟.. ونستصلح الأراضى الجديدة بتكلفة مالية أقل وفى وقت أسرع، ولكى تعطى إنتاجا أفضل جدا ولا تعطى ثمارها عاجلا.. فإن الفدان يتكلف على أقل تقدير خلال فترة الاستصلاح، وهى نحو عامين، خمسة عشر ألف جنيه، ويحتاج باستخدام التقنيات الحديثة أربعة آلاف متر مكعب من المياه، فضلا عن أن الإنتاج خلال هذين العامين سيكون محدودا وبسيطا. والمشكلة فى الاستصلاح أن الأراضى الرملية تحتاج جهودا وزمنا لتخصيبها، ولكن وهنا تجيء الفكرة إذا وضعت فوق السطح الرملى طبقة من الطمى الخصب، فإنه يمكنك فورا فى اليوم نفسه أن تزرعها، ومع رى بالطرق الحديثة ينبت المحصول أى محصول وتحصل على ثماره بعد أسابيع حسب نوعه وإذا تساءلنا: من أين نجيء بالطمي؟.. فإننى أقول إنه موجود وبكثرة ودون فائدة فى بحيرة ناصر بالسد العالي.. وباستخراجه، فإنه يطهر البحيرة لتستوعب مزيدا من المياه.. ولقد راودتنى هذه الفكرة منذ أواخر السبعينيات عندما رأيت الشيخ زايد رحمه الله يستورد الطمى لتخصيب رمال أبوظبى وزراعتها.. واستمرت الفكرة معى إلى أن سألت الدكتور محمد عبدالهادى راضى رحمه الله وكان وزيرا للموارد المائية وقلت له: هل يمكن استخراج هذا الطمي، وما تكلفته؟.. وأمهلنى وقتا ثم عاد يتصل بى قائلا: يمكن ذلك عن طريق هيئة السد وتسلمه لك على شاطئ البحيرة بسعر المتر المكعب: ستون قرشا. وكان هذا فى الثمانينيات.. والآن فإن الفكرة صالحة، وإن كانت الأسعار متغيرة، لكنها فى كل الأحوال أفضل وأرخص مما هو مطروح حاليا، والذى يؤدى إلى أن تكون تكلفة استصلاح مليون فدان نحو خمسة عشر مليار جنيه، غير كميات المياه التى تستهلكها وتزيد على المليار متر مكعب، وطبقا لما نقترحه، فإن التكاليف ستتراجع والثمار ستتحقق عاجلا. إن مساحة الفدان أربعة آلاف ومائتا متر.. فإذا وضعنا فوق مسطح رماله طبقة من الطمى بسمك يتراوح ما بين عشرة وعشرين سنتيمترا، فإنه يحتاج لنحو ستمائة متر مكعب.. وإذا ما كانت تكلفة استخراج المتر المكعب من طمى البحيرة قد ارتفعت أربعة أضعاف مثلا لتصبح نحو جنيهين ونصف الجنيه، وإذا ما كانت تكلفة نقل المتر إلى الأراضى المستصلحة تتكلف القيمة نفسها، فإن التكلفة الإجمالية تصل إلى نحو خمسة جنيهات وهذا رقم تقريبى أى أن طبقة الطمى التى توضع على مسطح الفدان ليصبح صالحا فورا للزراعة تتكلف نحو ثلاثة آلاف جنيه فقط.. وبهذا يمكن زراعته فورا بمحاصيل مهمة ولا يستهلك إلا واحدا على عشرة من المياه التى يستهلكها الفدان الرملي. أى أنك تزرع فورا بتكلفة أقل.. بمياه أقل كثيرا.. وتجنى المحصول بعد أسابيع.. وبسرعة تتفاعل الرمال مع الطمى والمياه، وبعد شهور قليلة تصبح صالحة لأى زراعات. وإذا كان الفدان يتكلف نحو ثلاثة آلاف جنيه، فإن المليون فدان تتكلف نحو ثلاثة مليارات جنيه وليست خمسة عشر مليار جنيه.. والمهم أيضا هو سرعة الإنتاج وتغطية التكاليف.. إضافة إلى خفض استهلاك المياه. يبقى القول استكمالا إنه يجب تحديد المساحات المطلوب استصلاحها.. وأن يجرى تخطيط جيد لها.. ومن ذلك، ماذا تزرع، وهل الإنتاج للسوق المحلية أم التصدير أم الاثنين معا؟.. وهل المحاصيل تباع كما هي، أم يحتاج بعضها إلى تصنيع غذائى زراعي؟.. وهكذا.. حتى يشمل التخطيط: مناطق للزراعة، وقرية للمزارعين ومتطلباتهم، ومنطقة صناعية إذا استلزم الأمر.. أى التخطيط لمجتمع عمرانى زراعى حديث متكامل. ليس هذا فقط، فإن التخطيط والتنفيذ ينبغى أن يتضمن طرقا حديثة للربط بين هذا المجتمع والطرق الرئيسية فى الدولة.. على أى حال، إن المشروع كبير.. والفكرة لها روافدها وتداعياتها الغزيرة.. ولعلها تسهم فى بناء مصر الحديثة القوية لتحتل مكانتها اللائقة. لمزيد من مقالات محمود مراد