إذا بكى اهتز له عرش الرحمن .. أوصانا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليه ووعد كافله برفقته في الجنة . ونهانا القرآن الكريم عن الإساءة إليه .. إنه اليتيم الذي خصه الله تبارك وتعالى بذكره في كتابه الكريم في آيات صريحة تحدد جزاء وثواب رعايتهم وعقوبة من أساء إليهم. هؤلاء هم الأيتام الذين يتم الاعتداء عليهم والإساءة إليهم في الدور المخصصة لرعايتهم. علماء الدين يؤكدون أن اليتيم في حمى الله وذمته، وأن الإساءة إليهم جريمة تستوجب العقاب الذي يصل إلى الإعدام حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر من أمثاله. ويطالبون بفرض مزيد من الرقابة من مؤسسات الدولة المعنية على دور رعاية الأيتام يقول الدكتور نبيل السمالوطى استاذ علم الإجتماع بجامعة الأزهر الشريف، أن ما شاهدناه على هذا الفيديو ينم على مجموعة كبيرة من الرذائل والسوءات ليست فقط فى ديننا الاسلامى، ولا أى رسالة سماوية ولكنها سوءات ورذائل إنسانية لاتقرها جميع الديانات السماوية والوضعية، وتبتعد بفاعلها عن الإنسانية أو الأدمية بشكل كامل، بغض النظر عن الأديان السماوية، فإن اليتامى فئة فقدت العائل وفقدت السند،وفقدت الموجه والمرشد، ومن الإنسانية - وهذا ما يحدث فى كل دول العالم المسلمة وغير المسلمة - أن يلاقوا رعاية وحماية وتوجيها وإرشادا من أفراد أو مؤسسات فى المجتمع لأنهم أصيبوا بمصائب لا دخل لهم فيها، وإذا نظرنا إلى دور الرعاية الإجتماعية فى الغرب والشرق فى اليابان والصين، وهى دول لا تدين بأى ديانة سماوية، نجد التعامل الآمن والعطوف على هذه الفئة حتى يشبوا ويكبروا أسوياء من الناحية النفسية ويكونوا مواطنين صالحين منتجين فى المجتمع، كل هذا من الجوانب الإنسانية . ويضيف الدكتور نبيل السمالوطى أن الإيمان بالإسلام يرتبط ارتباطا وثيقا برعاية اليتيم، والعطف عليه، وحمايته، فلا إيمان لمن لا يكرم اليتيم، وأظن أن الآية واضحة فى قوله تعالى «أرأيت الذى يكذب بالدين فذلك الذى يدع اليتيم»، بمعنى يزجره أو لا يكرمه، أما إذا وصل الأمر إلى ضرب بالأيدى والأرجل فإن هذا يمكن وصفه بأنه جريمة بشعة ترقى فى الإسلام إلى جرائم الحدود وإن كانت ليست من جرائم الحدود المعروفة، لأنها جريمة بشعة غير مقبولة فى كل الديانات السماوية أو الوضعية أو الإنسانية.وطالب دور اليتامى بحسن اختيار من توليهم أمر اليتيم، أولا: أن يكون لديه صحة نفسية وصحة عقلية وصحة إنسانية قبل الصحة البدنية، كما يجب أيضا أن يكون مؤهلا من الناحية التربوية والمعرفية بشكل جيد، وقبل هذا وبعد هذا أن يكون إنسانا، فمن شاهدناه فى الفيديو ليس إنسان وإنما هو حيوان وحشى يعتدى على صغار أيتام لا حول لهم ولا قوة، فهذا أمر مرفوض ومستهجن ويستحق أقصى درجات العقاب الممكن، صحيح أن ما ارتكبه هذا الشخص فى الإسلام يعتبر من جرائم التعذير( غير محددة العقوبة فى الاسلام) ومتروكة لاجتهاد القاضى والحاكم، لكن حتى فى جرائم التعذير فى الإسلام يمكن أن تصل العقوبة إلى الإعدام ولذلك أرى أنه يجب أن يعاقب بأقصى درجات العقوبة بناء على محاكمة عادلة معلنة لكل وسائل الإعلام لكى يكون رادعا لغيره من ضعفاء النفوس الذين يتولون مسئولية رعاية الأيتام، حتى أيضا التعليم فى رياض الأطفال والمدارس الإبتدائية. دور الدولة من جانبه يؤكد الدكتور سيف رجب قزامل عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة طنطا، أن اليتيم نال عناية فائقة فى الشرع سواء فى القرآن الكريم والسنة الشريفة الفعلية والقولية، والآيات فى ذلك كثيرة، والأحاديث الشريفة كثيرة أيضا، ويكفى فى حسن رعاية اليتامى أن قال صلى الله عليه وسلم : (أنا وكافل اليتيم كهاتين فى الجنة وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى)، وجعل المولى سبحانه وتعالى من وسائل تنظيف القلب وإزالة قسوته المسح على رؤس اليتامى، بما فى ذلك من جبر خاطر اليتيم وإحساسه بالعطف عليه من قبل الآخرين،حتى يشعر اليتيم أن الكل أب له،يقدم له البسمة والعون المادى والمعنوى ويشعر بجو الألفة والتعاون والمرح والفرح،حينما يتسابق الآباء وأهل الشارع والقائمون على المدرسة أو دار رعاية الأيتام من الرجال والنساء على العطف على اليتامى بإبداء النصح لهم، والأخذ بأيديهم إلى الصواب ورعايتهم رعاية كاملة تعلوها البسمة والحنان، حينئذ يشب هذا اليتيم أو اليتيمة محبة لوطنها، ويحدث التعاون والتكافل بين جميع أبناء الوطن الواحد، وحينئذ لا يخاف أينا إذا مات وترك صغارا فلا يخشى عليهم من نوائب الدهر لوجود التكافل بين أبناء المجتمع،تحقيقا لقول الله تعالى : « وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا» ، ومن ثمرات رعاية اليتيم أن الله تعالى يحفظ أولاد من قدم الرعاية لليتامى أيضا. يرى الدكتور القصبى زلط عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أنه يجب معاملة اليتيم على أساس أن المجتمع كله معه لا عليه، ومن هنا نرى قول الله سبحانه وتعالى بالنسبة لمال اليتيم يأمر بأن يحافظ ولى اليتيم على ماله ويخوفه من أكله أو ضياعه، فيقول: « إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى. ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا» ، وعندما نهى عن ذلك نجد أن أولياء اليتامى حاولوا أن يفصلوا أموال اليتامى عن أموالهم حتى لا يأكلوا هذه الأموال سهوا أو بلا قصد ، يبين الله سبحانه أن الهدف هو الرفق باليتيم ورعاية ماله،يقول عز وجل: « وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ »، وعلى هذا بين الله لأولياء اليتامى أنه يعلم نواياهم وأن القضية ما دام لا عمد فى الأكل فلا حرج أن يأكلوا معهم، كما أمرهم الله بألا يدفعوا أموال اليتامى إليهم إلا بعد اختبار تصرفاتهم المالية وإدراكهم لها، يقول تعالى : « وَابْتَلُوا الْيَتَامَى. حَتَّى.إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ . وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا .وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ.وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ .فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ. وَكَفَى. بِاللَّهِ حَسِيبًا»، فمن كان فقيرا فليأخذ أجره بالمعروف ومن كان غنيا فليستعفف ولذلك قال عمر أنى أنزلت نفسى من أموالكم منزلة ولى اليتيم إن استغنى استعفف وان كان فقيرا أخذ ما يكفيه بالمعروف. وأضاف أن الله قد أمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بأن يعامل اليتيم معاملة كريمة، وألا يقهره أو يجرح إحساسه وشعوره، وخطاب رسول الله خطاب لأمته فقال له:« فأما اليتيم فلا تقهر»، بعد أن بين له أنه وجده يتيما وأنه آواه ، وإذا تعامل المجتمع على هذا الأساس فإن اليتيم يشعر بأن كل الناس أهل له، ولكن إذا تعامل معه بغلظة وقسوة فيشعر أن المجتمع ضده وأنه منبوذ وان كان الله قد خاطب رسوله بهذا النهج فكل الناس مأمورون بالمعاملة الحسنة لكل يتيم.