لا يجادل أحد أن مصر قبل ثورة 23 يوليو غير مصر بعد هذه الثورة وأن التغيير الذى حدث هو تغيير جذرى فى البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك فإنه لا يستطيع أحد أن يجادل فى أن طريق مصر بعد ثورة 23 يوليو وعلى مدى السنوات الماضية فيه إنجازات كثيرة وإخفاقات وتعرجات كثيرة . وإلى جوار هاتين الحقيقتين فإن هناك حقيقة ثالثة ناصعة تقول إن جمال عبد الناصر شخصية متفردة فى التاريخ المصرى بل والتاريخ العربى الحديث . وكانت مصر قبل ثورة 23 يوليو دولة ملكية يحكمها فى الظاهر دستور 1923 ولكن نصوص الدساتير شيء وحياة الشعوب شيء آخر . هذه حقيقة يعرفها الدارسون للأنظمة السياسية وتطوراتها. وبعد 23 يوليو أصبحت مصر دولة جمهورية وتطورت الأمور فى بداية الأمر إلى أن استطاع عبد الناصر ومعه مجلس قيادة الثورة أن يهيمن على مقادير مصر ويتحكم فى سياساتها. ما أظن أحداً يجادل فى أن جمال عبد الناصر بث الحياة فى الجسد المصرى والعربى بما أدخله على جوانب الحياة المختلفة . ولعل اللبنة الأولى فى البناء الذى بنته الثورة الأم: ثورة 23 يوليو أنها حررت الإرادة السياسية للدولة المصرية وحاولت أن تفعل ذلك على النطاق العربى . فى السنوات الأولى للثورة أصدر عبد الناصر كتابه «فلسفة الثورة» وفيها حدد إلى حد كبير تصوراته لما كان ينتظره وينتظر الثورة. وكان واضحاً أن عبد الناصر يتطلع أن تتحرك مصر الثورة فى ثلاث دوائر أولاً وأساساً الدائرة العربية باعتبار أن مصر جزء أساسى من هذه الأمة بل هى ركنها الركين . كذلك اتجه عبد الناصر إلى الدائرة الإفريقية التى ينبع من قلبها شريان الحياة فى مصر: النيل وكذلك لم يغفل عبد الناصر الدائرة الإسلامية باعتبار أن الإسلام هو دين الغالبية فى مصر وفى سائر البلاد العربية. ويعنينى هنا أن أبين كيف غيّرت الثورة وجه مصر التى قامت الثورة فيها ومن أجلها. وما أظن أحداً ينكر أن بناء السد العالى كان عملاً رائعاً وعظيماً بكل المعايير وبعض الدارسين المحايدين من غير العرب والمصريين يرون أن هذا السد هو الأكثر تميزاً بين مختلف السدود التى أقيمت فى العالم. ويكفى أن ندرك أن سد أسوان العالى أنقذ مصر من الغرق مرات وأنه أنقذها من العطش أيضاً مرات . جاء تأميم قناة السويس وكانت ضربة معلم بعد أن سحبت أمريكا وعدها بمساعدة مصر فى بناء سد أسوان العظيم وحدث هنا أن اتجهت السياسة المصرية ناحية روسيا التى لم ينكر أحد ما قدمته لمصر من مساعدات فى بناء السد. ومازال المصريون حتى يومنا هذا يحتفلون بهذه الأيام الرائعة ويكرمون من بقى على قيد الحياة وهم قليلون ويكرمون أسماء الراحلين ويذكرونهم بكل خير. وبعد بناء سد أسوان العالى بدأت الثورة الأم فى عملية التنمية الداخلية وذلك عن طريق الانتاج والتصنيع وهنا لابد أن يذكر اسم المهندس الدكتور/ عزيز صدقى الذى كان ذراع الثورة وذراع عبد الناصر اليمنى فى عملية التصنيع التى شملت مصر من أقصاها إلى أقصاها. وإلى جوار السد والتصنيع بدأت الخطط الخمسية لتنمية الاقتصاد المصرى وتحويله من اقتصاد ريعى إلى اقتصاد صناعى منتج . من حق الشعب المصرى أن يفتخر وأن يعتز وأن يحتفل بثورته الأم : ثورة 23 يوليو ومن حق الأجيال التى لم تر جمال عبد الناصر أن ترفع صوره فى كل مناسبة وطنية. ومن حق المخلصين جميعاً من أبناء مصر أن يقتدوا بالزعيم العظيم العملاق جمال عبد الناصر الذى كان حريصاً الحرص كله على معنى حرية الإرادة السياسية وعلى العروبة وعلى العدالة الاجتماعية.. نعم إنها الثورة الأم. ونعم كان جمال عبد الناصر رمزاً يعزّ تكراره. والله يحفظ مصر ويحفظ أمتها العربية . لمزيد من مقالات د. يحيى الجمل