الحمد لله على الصحة والستر. بهذه العبارة يمكن أن تُختتم مئات الحوارات اليومية التى تدور بين المصريين حول ارتفاع الأسعار وتبرعات رجال الأعمال والمسئولين التى تُنشر أخبارها بوسائل الإعلام المختلفة. لكن هذه العبارة التى توحى بالرضا من جانبٍ، تكشف عن موقف من المال من جانب آخر؛ لاسيما حين تتطرق هذه الحوارات المتواترة إلى سؤال: هل المال نعمة أم نقمة؟ المال نعمة بدليل أنه إحدى زينتين فى هذه الحياة الدنيا،بل إنه سبق نعمة الأولاد فى الترتيب المال والبنون زينة الحياة الدنيا، هكذا يبرهن بعض المتحاورين فى هذه الحوارات اليومية على أن امتلاك المال ليس إثمًا بل نعمة، وبالتالى تكون الأمانى بمجاورة الأغنياء لأنهم السعداءمن جاور السعيد يسعد. عادة ما يشعر المتحاورون بالانتصار فى الحوارات المتواترة على خصومهم المفترضَين؛وهم الأغنياء، نتيجة وضعهم فى صورة المريض المحروم من الصحة التى لديهم. هذه السلسلة من الحوارات المتواترة تصلح أن تكون وسيلة للتنفيث الذاتى فى المجتمعات التى تفتقر للاستراتيجيات والسياسات التى يمكن أن تؤدى لتحقيق عدالة اجتماعية، تضمن سلامة المجتمع واستقراره.أما المجتمعات التى مرت بانفجارات اجتماعية نتيجة أوضاع اقتصادية مشوهة وعزمت على أن تسير باتجاه تصحيح الأوضاع فعليها أن تعيد النظر فى كيفية مواجهة ثقافة الفقر، إن الفقر بحد ذاته مجرد مشكلة اجتماعية عرفتها كل المجتمعات عبر التاريخ ولن يخلو مجتمع فى المستقبل من وجود الفقراء. فعدم القدرة على الوفاء بالاحتياجات الإنسانية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ملمح أساسى من ملامح الحياة الإنسانية عبر العصور، لكنه ليس حتمية دينية أو تاريخية؛ لأن المال ليس إثمًا أو لعنة وإنما زينة الحياة الدنيا. ومن ثم، الإثم واللعنة أن يتحول الفقر إلى ثقافة ترسخ الفقر وتديمه. تتشكل ثقافة الفقر عند الفقير منذ اللحظة التى يفتقر فيها للأمل فى تغيير وضعه الاجتماعى المزري، فيصبح اليأس مسكنه والقنوت ملبسه والسلبية مطعمه والانحراف السلوكى مشربه. قد يصبح الفقير غنيًا فيلتحق بفئة من الأغنياء ويغير من طبقته الاجتماعية لكنه لن يغير الثقافة التى انتقل بفضلها من الفقر إلى الغنى وهى ثقافة الفقر؛ لأنها أصبحت المشترك الثقافى بين الفقراء والأغنياء فى مجتمع يكرس جلُّ أفراده مهاراتهم وقدراتهم لاكتساب المال بطريقة سليمة أو غير سليمة. ومن ثم، لا غرابة فى أن يكون من خصائص ثقافة الفقر التى يتشبع بها الفقراء والأغنياء على السواء هى العزوف عن المشاركة فى العمل الجمعي، والتخلف عن أداء الالترامات المنوطة بهم كمواطنين،والاتفاق الضمنى على أن البقاء للأقوي. وللمفارقة، فإن التعليم الذى يُعد أداة الدولة القوية لمواجهة ثقافة الفقر تحوّل فى مصر على مدى عقود إلى أداة لترسيخ ثقافة الفقر؛ حيث لم يعد الحصول على أعلى الدرجات العلمية ضمانة للخروج من أسر الطبقة الاجتماعية الدنيا. صفوة القول، إن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى للتبرع من أجل مصر لمواجهة مشاكل مصر- وفى القلب منها الفقر- قد حققت ما حققت من نجاح نسبى لكن يعوقها رسوخ ثقافة الفقر؛ ومن ثم يلزم على الدولة فى هذه الحالة أن تختار الآلية المناسبة لمواجهة ثقافة الفقر بوصفها الممثل السياسى للفقراء والأغنياء على السواء. الدراسات العربية الجامعة الأمريكية لمزيد من مقالات سيد ضيف الله