مرت الأيام الماضية من خلال حرب إسرائيل على الشعب الفلسطينى فى غزة، شاهدة علينا فى شهر رمضان، على اختلاف مواقعنا، وهى بالتأكيد شاهدة أكثر على الجماعات الإسلامية، التى تدعى محاربة الأنظمة القائمة من أجل أن ترفع راية الإسلام خفاقة، فما بالها تقوم بقتل المسلمين داخل دولهم، وتغض الطرف كلية عن الإجرام الإسرائيلى حتى أنها لم تصدر حتى بيان إدانة على سبيل التَّمويه؟.. أَليست كل الجبهات مفتوحة من دول الطوق للمواجهة؟. جُملة من الحقائق تتكشّف اليوم أمامنا، على خلفية العدوان الإسرائيلي، من أهمها: أن تعدد الجماعات الدينية فى الوطن العربي، وكثرتها كما وكيفا، يخدم فى النهاية المشروع العدائى للدول العربية، حيث يعمل أغلب تلك الجماعات على تفكيك الدولة القطرية، وأمامنا ثلاث حالات واضحة هي: سوريا، والعرق، وليبيا، مع أن الفرصة مواتية لتلك الجماعت للدخول فى مواجهة حقيقية مع العدو الإسرائيلي، خاصة على الجبهة السورية، انطلاقا من هضبة الجولان المحتلة. حقيية أخرى على سبيل المثال هى أن قليلاً من المقاومة فقط جدير بأن يعيد للعرب وللمسلمين كرامتهم، خاصة حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية باعتبارها الجامع بينهم وإن اختلفوا، وهكذا نراهم يبعثون من تحت التراب بعد أن يعتقد العالم كله بموتهم الأبدي،ذلك لأن تلك القضية هى البداية والنهاية، ولايمكن تصفيتها بأى أسلوب من أساليب الهروب مهما تكن الادعاءات السياسية للحكام العرب والقادة الفلسطينيين، لأن الدينى فيها أكثر من الدنيوي، ولو يحاول القارئ معرفة خلفيات الأحداث العربية التى شهدناها منذ 1948 إلى الآن بما فيها أحداث ما يعرف بالربيع العربي، سيجد أن فلسطين حاضرة بقوة فى جميع الأحداث، بل إن صراعنا الوجودى مع الكيان الإسرائيلى هو السبب الظاهر أو الخفى فى معظم مصائبنا. حقيقة ثالثة هي: أننا نعيش حالاً من التناقض بين دور الدولة ومشروعية النظام من جهة، ومقاومة الجبهات الداخلية المتعددة على غرار ما رأيناه من مقاومة من الفصائل الفلسطينية فى غزة من جهة أخرى، وقد انعكس هذا على الرأى العام داخل معظم الدول العربية، ففى الوقت الذى يسعى فيه بعض القيادات العربية لإيجاد حلول تقلِّل من الخسائر، وتُوقف إراقة الدم الفلسطينى مسنودة فى ذلك من طرف السلطة الفلسطينية بحيث يكون أى حل ضمن منظمة التحرير باعتبارها المرجعية فى العمل الوطني، ناهيك على أنها الممثل الشرعى والوحيد، على النقيض من هذا نجد الشعوب تؤيد الفصائل الفلسطينية فى مقاومتها للعدو. ولسنا هنا بصدد تقييم الفعلين السياسى والدبلوماسى ولا حتى فعل المقاومة، لأن لكل منها مبرراته، إنما يمكننا القول: أن العرب أقصد الأنظمة وبعيدا عن حسابات أوطانهم ومواقفهم من هذا الفصيل أو ذاك، يقعون بوعى أو من دونه ضحايا الخلافات الفلسطينية، خاصة تلك المتعلقة بالتفاوض والمقاومة، فالسلطة الفلسطينية ترى الحل فى مزيد من التفاوض، فى حين ترى فصائل أخرى أن المقاومة هى الأجدى والأنفع. وكما نعرف فإن تبعات التفاوض، لا تتطابق مع نتائج المقاومة، وعلى العرب أن يدعموا الأمرين معا، لا أن ينحازوا لموقف على حساب آخر، ولا لجهة على حساب أخرى، وأن يتعاملوا مع إسرائيل ومهما تكن قوتها فى الوقت الراهن على أنها دولة إلى زوال، وأنه فى حقيقتها أهون من بيت العنكبوت، ورحم الله الدكتورعبد الوهاب المسيري، الذى قال لنا ذات مرة:» حين أحدِّث بعض القادة العرب وأيضا بعض المثقفين على أن إسرائيل إلى زوال يتعجبون من قولى ولايصدقون، لكن بدراستى للمجتمع الإسرائيلى ومعرفة تناقضاته أرى أنها إلى زوال». لقد أثبت العدوان الأخير على غزة، أن البيت الإسرئيلى يشتعل، وأنه سيكون يوما مثل رماد تذروه الرياح فى يوم عاصف، صحيح أن عدد الشهداء من الفلسطينيين وعدد المصابين بجروح كبير، وغير متكافئ مع عدد القتلى من العدو، لكن بالمقارنة مع الحروب السابقة، بما فيها تلك الحروب الكبرى التى قامت بها الدول العربية مجتمعة،تعتبر مرضية إلى حد كبير، يضاف إلى ذلك التطور النوعى فى سلاح المقاومة، وأساليبها فى إدارة الحرب، وفرضها لمنطقها العسكرى على العدو فى أرض المعركة، وما تلك الأنفاق التى كانت أفخاخاً للجيش الإسرائيلى إلا دليلا على ذلك. هناك واقع جديد يفرض نفسه اليوم فى فلسطين وعلى إسرائيل أن تتعامل معه بما يحقق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وإلا ستعجل بزوالها الذى بات وشيكا، وهى تعرف أن كل الشعوب التى قاومت الاحتلال نالت استقلالها، ولن يثنيها عن ذلك التكلفة البشرية، ما يعنى أن رهانها على قتل المدنيين لإيجاد حالة من الرعب الجماعى لن يوصلها إلى مبتغاها، وقد أطلق الفلسطينيون كما تابعنا خلال الأيام السابقة نحو ألف صاروخ معظمها فى العمق الإسرائيلي، صحيح أنها لم تحقق أهدافها، لكنها بالتأكيد ستكون حاسمة فى المعارك المقبلة، ما يعنى أن إسرائيل لن تحلم بالأمان بعد اليوم. وعلى العرب ودول العالم خاصة تلك المؤيدة لإسرائيل، وتحديدا الولاياتالمتحدة، أن تدرك أن زمان النضال الفلسطينى من الخارج قد انتهى، ونحن اليوم ندخل مرحلة جديدة من التاريخ يصيغ فيها الفلسطينيون مستقبلهم بتكلفة عالية، ويحاربون من داخل أرضهم وفى نطاق الدولة العبرية المزيفة التى هى أكثر نفيرا وقد جُمع سكانها من كل بقاع الدنيا، وليست هناك قوة بإمكانها منعهم من المقاومة، لذا فعلى إسرائيل أن تختار بين أمرين، إما أن تتعامل معهم بالحسنى من أجل إقامة دولتهم، وإما أن تستمر فى غيِّها وتدفعهم إلى مزيد من المقاومة، وفى ذلك نهايتها، التى قد يراها كثيرون بعيدة وأراها قريبة. كاتب جزائرى لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه