ما تقوم به جماعة "بوكو حرام"الإرهابية فى نيجيريا فى الوقت الراهن على غرار "دولة الإسلام" المزعومة فى العراق، و"طالبان" فى أفغانستان وباكستان، و"الإخوان" فى مصر، يمثل نموذجا واضحا لسعى الجماعات الدينية المتطرفة لفرض سيطرتها على مناطق جغرافية بعينها عبر تطبيق مفهومها المتشدد لأحكام الشريعة الإسلامية على نحو يجعلها مناطق خارج سيطرة الدولة. ولكن وفق بعض التقديرات، فإن انتشار هذا النمط فى نيجيريا يفرض تهديدات من نوع خاص، ليس فقط بسبب تداعياته السلبية على بنية الدولة الوطنية التى تنشأ فيها، وإنما أيضًا بسبب تأثيرها السلبى المحتمل على دول الجوار، والذى قد يحدث نتيجة تصاعد الهجمات المستمرة لبوكو حرام دون أن تتمكن الدولة من مواجهتها. ومن البديهى أن عجز الحكومة النيجيرية عن التصدى لجماعة "بوكو حرام" وتكاسل دول العالم الكبرى التى تدعى أنها ترعى السلم وتمتلك المفاتيح السحرية للقضاء على الإرهاب عن المساعدة الجادة فى القضاء على هذا الوحش الكاسر يحملان مخاطر أمنية عديدة على الدول المجاورة، بل وعلى القارة الإفريقية برمتها، فمنذ أن تعرضت أكثر من 200 طالبة للخطف على أيدى بوكو حرام فى بلدة شيبوك فى أبريل الماضي، تقف الحكومة النيجيرية مكتوفة الأيدى غير قادرة على انتشال الفتيات من براثن الإرهاب، مكتفية بالتصريحات الرنانة التى تتوعد فيها بوكو حرام وتتعهد فيها بإعادة الفتيات لأسرهن، دون أن يتم إطلاق سراحهن حتى الآن. وعلى الصعيد الدولي، فشلت طائرات الاستطلاع الأمريكية وكل وسائل التجسس فى العثور على الفتيات المخطوفات حتى يومنا هذا، واكتفت واشنطن ودول غربية أخرى بإرسال خبراء عسكريين وأمنيين لمساعدة الحكومة النيجيرية فى عمليات البحث، كما قيل الكثير أيضا عن تعاون أمنى إقليمى ودولى لمواجهة خطر بوكو حرام بصفة عامة، ولكنها كلها كانت جهودا غير جادة، وهو ما نجم عنه توحش الجماعة وامتداد عملياتها إلى دولة الكاميرون المجاورة. ومع عدم وضع حد سريع وعاجل للقضاء على هذا الخطر الذى يتجاهله العالم ويتعامل معه باستخفاف، وهى نفس الطريقة التى تم التعامل بها بالمناسبة مع دولة الإسلام فى العراقوسوريا، فإن هذا سيجعل التداعيات بالنسبة للدول الأفريقية المجاورة مفتوحة على احتمالات عديدة، قد يكون من بينها سعى هذه الجماعة إلى خلق ظهير قوى لها فى إحدى هذه الدول، عبر آلية التجنيد عن بعد، وخاصة مع انتشار الفقر والبطالة والفساد، أو عبر التحالف مع منظمات إرهابية فى دول أخرى لتوسيع نطاق هجماتها ونشر أفكارها المتشددة، مثل القاعدة فى بلاد المغرب. وما يؤكد هذه الفرضية إعلان أبو بكر شيكو زعيم الجماعة دعمه لأبو بكر البغدادى زعيم ما يسمى بالدولة الإسلامية فى سورياوالعراق، وكذلك أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة، والملا عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية، كما أكدت تقارير إعلامية وجود صلة بين بوكوحرام وتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى الناشط فى مالي، فى الوقت الذى بدأت فيه بوكو حرام توسيع نطاق هجماتها على الحدود داخل الكاميرون المجاورة، والتى كانت آخرها الهجوم على منزل نائب رئيس الوزراء الكاميرونى فى بلدة كولوفانا الشمالية. وعلى عكس الجماعات الإرهابية الأخرى التى تجد ممولين لها من الخارج، فإن بوكو حرام تحصل على الدعم من خلال ثلاث جهات : الأولى عبر تمويل بعض رجال الأعمال من داخل نيجيريا وبعض دول الجوار، والثانية من خلال زعماء شيوخ القبائل المعارضين للحكومة النيجيرية والمؤمنين بأفكار الجماعة المتشددة، وأخيراً عبر الحصول على الأسلحة المتطورة الثقيلة من داخل الجيش النيجيرى ذاته بسبب انتشار الفساد داخل هذه المؤسسة ومؤسسات حكومية أخرى مختلفة، كما تزيد الجماعة من رصيدها من الأسلحة بعد نجاح هجماتها على القواعد العسكرية للجيش. ومما لا شك فيه أن جماعة بوكو حرام تشكل حجر عثرة أمام مستقبل الاقتصاد والتنمية فى نيجيريا – أكبر دولة أفريقية سكانا وإحدى أكبر الدول المنتجة للبترول فى العالم - فبعد الإعلان عن أن نيجيريا أصبحت أكبر قوة اقتصادية فى أفريقيا، تزايدت وتيرة الهجمات الشرسة التى تقودها بوكو حرام بهدف منع زعماء العالم من المشاركة فى تجمع اقتصادى مهم فى أبوجا. ورغم ما تمتلكه نيجيريا من موارد هائلة وكونها أكبر دولة إفريقية مصدرة للبترول، فإنها تواجه مجموعةً كبيرةً من التحديات التى تهدد التنمية فيها بشكل مباشر وتعتبر الوقود الحقيقى لبوكو حرام، وذلك لكونها تعانى من حالة انقسام بين شمال فقير ذى أغلبية مسلمة، وجنوب ذى أغلبية مسيحية تتركز فيه غالبية الثروة البترولية، بالإضافة إلى غياب التنمية المتوازنة بين مختلف القطاعات الاقتصادية، فضلا عن التسرب المستمر للثروة البترولية فى منطقة "دلتا النيجر" جنوبا نتيجة الانتشار واسع النطاق للميليشيات المسلحة فى الفترة ما بين 2004 و2009، ومما يزيد من تداعيات ذلك ضعف مؤسسات وهياكل الدولة، وانتشار الفساد، وعدم القدرة على السيطرة عليه. إذن، فبوكو حرام ستستمر كما هو واضح فى عملياتها، وستزيد من نطاقها، لأن أسباب وجودها ما زالت قائمة، ولأن الممولين فى الداخل والخارج موجودون، بل وقد تشهد الفترة المقبلة تصاعدا فى حدة هذه العمليات داخل نيجيريا وعبر حدود الدول المجاورة، وفى ظل اكتفاء القارة ودول العالم بالمشاهدة، قد تحدث مفاجآت ضخمة فى غرب أفريقيا على غرار كارثة "داعش" ودولة الإسلام فى قلب الشرق الأوسط..