لم يعد ميت قبل ذلك إلى الحياة ليحكي لنا ما رآه فى القبر، ولا نزل حى إلى القبر ليعلم ماذا يجرى داخله، فالغموض يحيط بهذا العالم من كل جانب. ولا سبيل لكشف ما يحدث للإنسان بعد نزوله القبر إلا بما ورد في كتاب الله تبارك وتعالى عن قوم فرعون " اغرقوا فادخلوا نارا". وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار".
واستنكر علماء الأزهر ما وصفوه بالدعاوى الباطلة التي تنكر عذاب القبر مؤكدين أنه ثابت في الكتاب والسنة وان ما حدث في إحدى الفضائيات هو إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة. وأكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن المساس بثوابت العقيدة والتجرؤ عليها وإنكار ما استقر منها في وجدان الأمة كعذاب القبر لا يخدم سوى قوى التطرف والإرهاب وخاصة في ظل الظروف التي تمر بها الأمة، لأن الجماعات المتطرفة تستغل مثل هذه السقطات لترويج شائعات التفريط في الثوابت مما ينبغي التنبه له والحذر منه، ووقوف كل إنسان عند حدود ما يعلم، وعدم إقحام نفسه فيما لا يعلم وفي غير مجال اختصاصه، مؤكدا أنه إذا أردنا أن نقضي على التشدد من جذوره فلابد أن نقضي على التسيب من جذوره فلكل فعل رد فعل مساو له في النسبة ومضاد له في الاتجاه. وأضاف: أن الدين ليس كلا مباحا، إنما يجب الرجوع في قضاياه العقدية والفقهية إلى علمائه المتخصصين ، وأن الأمة في غنى تام عن إثارة مثل هذه القضايا الشائكة المثيرة للجدل والمستفزة لمشاعر الخاصة والعامة في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى جمع كلمتنا معا في دعم قضايا العمل والإنتاج وترسيخ مكارم الأخلاق. وفي سياق متصل يقول الدكتور مختار مرزوق، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، إنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينكر عذاب القبر ونعيمه، وهذا ثابت فى الإسلام بأدلة متكاثرة منها قوله تعالى «وحاق بآل فرعون سوء العذاب» النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب»، أى أن العذاب السيىء يحيق بآل فرعون وهو أنهم يعرضون على النار فى قبورهم صباحا ومساء قبل قيام الساعة، وهى القيامة فإذا قامت القيامة قيل لملائكة العذاب «أدخلوا آل فرعون أشد العذاب»، وهو عذاب النار الأليم، ومن أدلة ثبوت عذاب القبر فى القرآن الكريم قوله تعالى عن الفاسقين الكافرين «ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون»، وذكر المفسرون أن المراد بالعذاب الأدنى عذاب القبر. وحديث البخارى ومسلم، أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال «إنهما ليعذبان وما يعذبان فى كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشى بين الناس بالنميمة». الانشغال بالأولويات ويرى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، أن الدين فيه أمور قطعية وأمور ظنية من جهة الورود ومن جهة الدلالة، والقطعيات ورودا أو دلالة لا مجال للاجتهاد فيها، لأنها من المعلوم بالدين بالضرورة وهى ثوابت هكذا فى الماضى والحاضر والمستقبل، وتحصر فى أركان الإيمان والإحسان، وأصول فقه الحلال والحرام، وهناك أمور ظنية الورود والدلالة وهى محل اجتهاد لا تخرج الإنسان عن الملة إن أثبتها أو نفاها. والعالم عالمان، عالم الشهادة، وعالم الغيب، والأخير لا يبحث فيه، إلا ما جاء فيه نص، قال الله عز وجل: «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسئولا»ً، ومن الغيبيات المتصلة بفروعيات الاعتقاد، قضية نعيم القبر وعذابه. وأضاف: إن هناك من العلماء الفريق الآخر، من نفى نعيم القبر وعذابه استنادا لأدلة عقلية أن الجزاء يكون بعد المحاسبة، ومعلوم أنها تكون يوم القيامة ولا يعلم كيف يكون المصير هل إلى الجنة بفضل الله وشفاعة نبيه أو بفضل العمل الصالح أو إلى النار وكلها أمور غير محسومة، ومعلوم أن القبر مرحلة برزخية بين الموت وبين البعث ولا يتصور عقلا تقديم الجزاء قبل المحاكمة. وبهذا يظهر أن المسألة ظنية الورود، وظنية الدلالة والورود، فإثباتها أو نفيها لا تعلق له بأركان وأصول الإيمان، والأولى الإمساك عنها، وتفويض حقيقة العلم إلى الله عز وجل بعدم الانزلاق وراء المجادلات والإلهاء والإشغال، وترك فقه الأولويات والواقع إذا ما لم يحسن ذكره. وتساءل الدكتور أحمد كريمة: أين نحن من تزايد الإلحاد بين الشباب وفتنة التكفير، ودعاوى استحلال الدماء والأموال والأعراض أى الأمور أولى بالبحث والنظر والبيانات والجلسات ؟!.