بعض النظر عن تسليمنا بحق المقاومة الفلسطينية فيما قامت به أمس من أسر جندى إسرائيلى على أمل مبادلته بالمئات وربما الآلاف من الأسرى الفلسطينيين القابعين فى سجون الاحتلال الإسرائيلى منذ سنوات وأحيانا عقود، إلا أن ما يقلقنا فعلا هو الأوضاع الإنسانية المتدهورة فى القطاع ففضلا على الدمار الهائل الذى أسفر عنه العدوان الإسرائيلى على مدى 25 يوما تقريبا وعدد الشهداء الذى تخطى 1500 من بينهم ما يقرب من 400 طفل و200 سيدة. ومنذ اللحظة الأولى لهذا العدوان لاحظ العالم أن قوات الاحتلال تركز على استهداف المدنيين وكانت الجريمة الأكثر فظاظة هى قصف سوق البسطات الشعبى على الأطراف الغربية لحى الشجاعية، حيث تباع الملابس بأسعار شعبية، ويقبل المواطنون الفقراء عليها لشراء احتياجاتهم من ملابس، وبينهم أعداد كبيرة من المشردين من بقية مناطق غزة الذين فقدوا كل شيء جراء تدمير المساكن على رؤوس ساكنيها وعلى ما فيها من أثاث ومقتنيات. وتسبب القصف فى قتل 29 مواطناً، و3 صحفيين، وأحد المسعفين، واثنين من الدفاع المدني، كما أصيب فى الحادث 178 مواطناً، منهم 33 طفلاً، و14 سيدة، وصحفي، ومسعف. وتعانى غزة نتيجة العدوان من نقص حاد فى جميع الخدمات الضرورية وبلا استثناء خاصة المياه الصالحة للشرب والكهرباء والصرف الصحي، حيث أعلنت سلطة المياه الفلسطينية ومصلحة مياه بلديات الساحل عن عجزهما شبه الكامل عن تقديم خدمات المياه والصرف الصحي، وحذرتا من مغبة عدم الاستجابة السريعة لمتطلبات توفير الخدمات الضرورية للمواطنين فى قطاع غزة فى ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة، مما يهدد بكارثة بيئية وصحية خطيرة للغاية تتهدد حياة سكان القطاع الذين يزيد عددهم عن 1.5 مليون نسمة، وأشارتا إلى انقطاع التيار الكهربائى المتواصل ونفاذ مخزون الوقود لدى مصلحة مياه بلديات الساحل شكلا عاملاً حاسماً فى الوقف التام لخدمات المياه والصرف الصحى وشل قدرة المصلحة على الوفاء بواجباتها تجاه السكان، هذا بالإضافة إلى توقف معظم خدمات الرعاية الأولية فى قطاع غزة وسط انعدام المياه وتردى أوضاع النظافة وصحة البيئة. ويأتى أسر الجندى الإسرائيلى أمس فى عملية للمقاومة الفلسطينية فى محيط معبر كرم أبوسالم فى رفح وما صاحبها من إلغاء إسرائيل الهدنة وتكثيف جنونى للقصف على غزة وإلغاء مفاوضات وقف العدوان، فى الوقت الذى كانت تشير فيه أعمال الرصد والتوثيق التى يقوم بها مركز »الميزان« الفلسطينى إلى ارتفاع أعداد الضحايا ليصبح عدد الشهداء 1440 من بينهم 343 طفلاً و186 سيدة، وبلغ عدد المدنيين من الشهداء 1173. ومن بين الشهداء 762 قتلوا داخل منازلهم، بالإضافة إلى فتاتين من ذوات الإعاقة داخل مؤسسة، من بينهم 245 طفلا و155 سيدة. كما قتل 175 شخصاً عند مداخل منازلهم أو بينما كانوا يحاولون الفرار منها. يذكر أن عدد الشهداء يقتصر على من جرى التعرف على جثثهم. كما بلغ عدد الجرحى 6042 جريحا من بينهم 1697 طفل و1184 سيدة، وبلغ عدد المنازل المستهدفة بشكل مباشر 709 منازل، كما بلغ عدد المنازل المدمرة بشكل كلى 638 منزلا، وكلها أرقام مرشحة للتزايد بقوة مع انهيار أى أمل فى وقف قريب للعدوان. كما دمرت قوات الاحتلال 66 مدرسة، و110 مساجد، و8 مستشفيات ومركز إسعاف تدميراً جزئياً، يذكر أن مستشفى الوفاء تعرض للقصف أكثر من مرة قبل أن تعلن قوات الاحتلال عن تدميره بالكامل، بالإضافة إلى 25 مؤسسة أهلية، و46 قارب صيد واستهداف غرف الصيادين فى خان يونس وغزة وأجزاء من ميناء الصيادين فى غزة. والسؤال الذى يطرح نفسه حاليا هو مدى قدرة المدنيين الفلسطينيين المنهكين فعليا على تحمل ثمن الاحتفاظ بالأسير الجديد، حيث من المتوقع أن تزيد قوات الإحتلال الإسرائيلى من وتيرة عدوانها على القطاع انتقاما لأسر الجندى لأن بقاءه فى يد المقاومين حيا يعنى انتهاء المشوار السياسى لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وشركائه فى الحكومة أمثال أفيجدور ليبرمان ونفتالى بينيت، ولذا لم يكن غريبا من هذه الحكومة اليمينية المتطرفة أن تأمر بإحراق محافظة رفح وضواحيها وقصفها بشكل غير مسبوق فى تاريخها ردا على عملية أسر الجندى انطلاقا من أراضيها. والمحصلة هى أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة برئاسة نيتانياهو باتت تعتبر أن أسر الفصائل الفلسطينية أحد جنودها فرصة ذهبية لتدمير ما تبقى من غزة بعد أن قطعت شوطا كبيرا فى هذا التدمير خلال الأيام ال 25 الماضية، ومن قبلها قامت الحكومات السابقة برئاسة إيهود أولمرت بتدمير جانب كبير من القطاع عقب أسر جلعاد شاليط فى 25 يونيو 2007.