جاء العمل الإرهابى الذى استهدف كمين حرس الحدود عند نقطة الكيلو 100 بواحة الفرافرة بمحافظة الوادى الجديد والذى راح ضحيته 22 شهيدا من القوات المسلحة، ليضيف مزيدا من الآلام على الجراح المصرية المنتشرة فى جميع ربوعها. فلا توجد مدينة أو قرية أو نجع لم يكن له نصيب من الإرهاب الذى يضرب مصر منذ الثلاثين من يونيو 2013، بل وقبلها كما حدث مع جنودنا فى رفح 2012. وإذا كان صحيحا أن أسلوب هذه العصابات الإجرامية لم يختلف كثيرا إلا أنه من الصحيح أيضا أن هذا الحادث الأخير كان فاجعة لمصر كلها، وذلك لأمرين مهمين: الأول، أن هذا المكان كان قد تم استهدافه من قبل وهو ما يحمل فى مضمونه رسالة مفاداها أن حماية هذا الثغر المصرى لم تكن بالمستوى المطلوب والملائم. أما الأمر الثانى، فيتمثل فى أن الارهاب لم يعد مصدره الحدود الشرقية فحسب، بل أضحت الحدود الغربية مصدرا لتهديد الأمن القومى المصرى، حيث مثل هذا العمل الإرهابى رسالة إلى صانعى القرار المصرى أن الاهتمام بالحدود الشرقية يجب ألا يشغلنا عن بقية حدودنا الغربية والجنوبية، وهو ما يتطلب رؤية جديدة لتأمين الحدود البرية المصرية، وخاصة فى جانبها الغربى والجنوبى، شريطة أن ترتكز هذه الرؤية على الطبيعة الجغرافية والبشرية لهذه الحدود، مع الأخذ فى الحسبان أن خبرة الجيش المصرى غربا لا تقارن بخبرته شرقا، بما يستوجب أن تكون هناك رؤى غير تقليدية لتأمين الحدود الغربية والجنوبية. وغنى عن القول إن القرار بتشكيل لجنة أو فريق تحقيق رفيع المستوى ليتولى مسئولية البحث والتحرى وجمع المعلومات عن المتورطين فى هذا الحادث، وإن كان يمثل الخطوة الأولى والأساسية نحو كشف ما جرى والوقوف على تفاصيل تلك الحادثة، إلا أنها تحتاج إلى خطوات أخرى تستكمل بها إحكام القبضة الأمنية على الحدود المصرية. فكما نعلم جميعا أن معرفة المتورطين فى هذا الحادث ومحاكمتهم يظل العامل الأساسى والحاكم فى منظومة محاربة الارهاب، فالقصاص كما وصفه الله عز وجل، «حياة» «تطبيقا لقوله تعالى» ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب» حيث يتمثل الهدف الأساسى من هذه المحاكمات والعقوبات المطبقة على مرتكبى الحادث تحقيق الردعين العام والخاص. ولكن ما تواجهه مصر اليوم لا يتحقق بمجرد توقيع العقوبات على مرتكبى الجرائم والحوادث التى تهدد أمن المجتمع واستقراره، بما يجعلنا نكرر ما سبق أن طالبنا به وهو أن محاربة الإرهاب لا يمكن أن تقتصر على الجانب الأمنى فحسب، بل يجب أن تكون هناك رؤية متكاملة واستراتيجية شاملة لكيفية مواجهة هذا الإرهاب. فعلى الدولة وأجهزتها الاعلامية تحديدا أن توضح للمجتمع ذلك الجزء الملتبس بين حق بعض القوى السياسية فى تبنى نهج المعارضة لسياسات الحكم شريطة أن يظل عملها فى إطار وطنى سلمى تشارك فى العملية السياسية بالأدوات التى رسمها الدستور وحددها القانون، وهذه هى المعارضة المطلوبة لبناء المجتمعات، وبين الجماعات والتنظيمات الإرهابية التى ترفع شعار الدين كذبا وافتراء من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو مادية. فثمة بون شاسع بين ما يطالب به البعض على سبيل المثال بتصحيح مسار العملية الانتخابية بإخراج قانون ينظمها بشكل يسمح للجميع بالمشاركة، وبين من يحاول أن يهدم كيان الدولة ويفكك مؤسساتها ويحارب جيشها. ملخص القول إن ما جرى فى الحادث الإرهابى الأخير بمحافظة الوادى الجديد يمثل جرس إنذار للدولة، وخاصة أجهزتها الأمنية بضرورة إعادة النظر فى الاستراتيجية المتبعة فى حربها على الإرهاب، وذلك من خلال البحث عن آليات جديدة فى التعامل مع تحركات هذه الجماعات والتنظيمات وخاصة فيما يتعلق بسلاح حرس الحدود من خلال تزويده بأحدث الأسلحة والأجهزة الرقابية والكفاءات البشرية، فضلا عن إيلاء مزيد من الاهتمام لتأمين حدودنا الغربية والجنوبية التى لا يقل الخطر القادم منها عما هو موجود على حدودنا الشرقية. كما يمثل الحادث أيضا جرس إنذار للمجتمع بمختلف أفراده ومؤسساته بأن التعاطف الذى قد يبديه البعض مع مثل هذه الجماعات والتنظيمات إنما يمثل خيانة للوطن وضياعا للدين، فهل قتل هؤلاء الجنود الأبرياء دون ذنب اقترفوه أو جريرة ارتكبوها يتفق مع الدين الاسلامى السمح الذى نص فى كثير من آياته على حرمة الدماء وصيانتها، بل جعلها واحدة من مقاصد الشرع؟ هل قتل هؤلاء الجنود الأبرياء الذين تركوا ديارهم وأهليهم من أجل حفظ حدودنا وحمايتنا، خدمة للوطن وحماية له؟ فعلى الدولة والمجتمع العمل معا من أجل صون دماء أبنائنا إلا وشهدنا كل يوم مزيدا من الدماء المصرية الطاهرة التى تسيل دون حساب أو قصاص عادل. لمزيد من مقالات عماد المهدى