منذ نعومة أظافرها وهي سعيدة بشقاوتها وذكائها الشديد وحبها للمخاطرة، كانت تعشق كل ما هو غريب، وتكره التقليدية بكل معانيها، ورغم أنها كانت طالبة إلا أنها كانت تشعر بأن التعليم لم يعد هدفها الأسمي، بخلاف بنات جيلها ممن يعيشن في رحاب أسرتهن. كانت أكثر جراءة ممن في عمرها فلم تتجاوز ال 18 عاما، وبدأت تتمرد علي واقعها، وتشعر بأنها كانت تعيش حياة مملة مع والديها اللذين لا هم لهما سوي الحديث عن التعليم، وبصعوبة بالغة اجتازت مراحل دراستها المختلفة، حتي تعثرت في المرحلة الثانوية لعدم تركيزها في المذاكرة واعتادت الرسوب أكثر من مرة، بل وحملت والديها سبب فشلها. ولم يكن صعباً علي صديقات السوء أن يدفعن بتلك الفتاة إلي عالم الضياع، فقامت إحدي صديقات السوء باصطحاب الفتاة إلي طريق السوء والهلاك والضياع، حتي وضعت في طريق الفتاة تاجر مخدرات الذي استغل ظروفها وصغر سنها ومعرفتها المتعددة التي تمكنها من ممارسة نشاط الإتجار في المخدرات بحرفية شديدة، حتي أغواها وأوهمها بأن حياتها ستكون أفضل بعيدا عن أسرتها التي اعتادت تكديرها بالمذاكرة والشهادة، حتي أقنعها بالاستقلال عنهم واستئجار شقة كي تعيش فيها علي حريتها وتتمكن من ممارسة تجارتها بحرية دون رقيب. وبالفعل اختلقت الفتاة عدة مشكلات مع والديها حتي أوهمتهما أنهما سببا في فشلها في الدراسة، وليس أمهامهما سوي أن تبتعد عنهما وتترك بيتها التي تربت وعاشت فيه في كنف والديها، فاستأجرت شقة مجاورة لشقة والديها بمنطقة حلوان، بحجة أن ذلك سوف يمكنها من التركيز في دراستها مع زملائها في المدرسة، فانعزلت عن والديها اللذين سمحا لابنتهما بأن تعيش بمفردها في شقة دون رقيب أو متابعة أو مراعاة لأي عادات ولا تقاليد ولا أصول ولا عواقب تلك القرارات. تجاوزت الفتاة مرحلة الإتجار في البانجو، وبدأت مرحلة الأقراص المخدرة والحشيش، وأصبحت محترفة في هذا العالم المدمر، بل أصبحت هي مصدر هذه المخدرات لكل صديقاتها، وعرفت الأماكن السرية لهذا العالم، في منطقة حلوان التي تقيم فيها، حتي أصبحت تاجرة مخدرات، وظهر عليها الثراء الفاحش بمساعدة تاجر المخدرات التي تعرفت عليه من خلال إحدي صديقات السوء. وكانت علي أتم استعداد لأن تفعل أي شئ كي تحصل علي جرعات المخدرات بسعر مناسب، وبالفعل كانت تحصل علي المخدرات بسعر الجملة، وأصبحت معروفة في أوساط التجار الكبار، ولم تستطع أن تتخلي عن إدمانها للمخدرات، وبدأت تتنقل ما بين الهيروين والحشيش والأقراص المخدرة والبانجو، وأصبحت هي المصدر الأساسي لصديقاتها وأصدقائها الباحثات عن المخدرات. وبعد رصد تحركات الفتاة، سقطت تاجرة المخدرات الشابة التي لم تكن تعرف أن رجال المباحث يحاصرون المنطقة التي كانت تتجه إليها للحصول علي المواد المخدرة المعتادة، ورصد شقتها التي كانت تتخذها وكرا للمخدرات، وبعد جمع المعلومات وعمل التحريات اللازمة تم رصد تحركات الفتاة ، وتمت مداهمة شقتها من قبل قوات الأمن بحلوان، وتم ضبط 279 تذكرة هيروين وكميات كبيرة من الأقراص المخدرة، ونبات البانجو، وفي لحظات وجدت الفتاة نفسها أمام رجال المباحث وفي قبضتهم فلم تملك سوي الاستسلام، وتم إلقاء القبض عليها، وعرضها علي النيابة. وجربت التدخين وصديقات السوء وغامرت بمستقبلها الدراسي، وتخلت عن أبويها في سبيل امتهان تجارة المخدرات، وخوض تجربة غير محمودة العواقب، فكم كانت النتيجة مدمرة لها ولأسرتها، بعد أن أمضت حياتها تجري وراء أوهام حتي أفاقت علي الحقيقة المريرة عندما وجدت نفسها مدانة بجريمة إدمان المخدرات والإتجار فيها، بدافع من أصدقاء السوء والنية السوء بل والتربية الأسوأ، من أجل البحث عن الثراء السريع، وتحقيق مكاسب محرمة، لا تجد لها إلا نهايتين محتومتين وهما إما الموت بتلك السموم أو السجن وتدمير مستقبلها ومستقبل عائلتها. تلك العائلة التي رسبت هي الأخري في تربية ابنتها تربية صالحة سيحاسبها عليها ذات يوم فأين كان عقلها أو ضميرها عندما طاوعت واستجابت لرغبات فتاة في عمر الزهور، وتركتها فريسة لرفقاء السوء وصيدا يسهل استغلاله، حتي قضت أجمل سنوات عمرها في عالم الداخل فيه مفقود والخارج منه ربما يكون مولودا، بعد أن كان من الممكن أن تكون حياتها أكثر أماناً واستقراراً، وكان من الممكن أن تصبح ذات شأن كبير ولكن حلم الثراء السريع يكون عادة هو البداية، ونهايته تكون خلف القضبان. وغلفت دموع الفتاة كلماتها وهي ماثلة أمام النيابة، وهي تحاول أن تلقي باللائمة علي والديها وحملتهما كل ما آلت إليه، بل واعتبرتهما هما من دمّرا حياتها وأضاعوا مستقبلها، إلا أن المستشار شريف مختار، رئيس نيابة حلوان، لم يتعاطف مع تلك الفتاة، وأمر بحبسها أربعة أيام علي ذمة التحقيقات، فالقانون لا يعرف العواطف، والأوراق لا تعرف سوي الأدلّة والمضبوطات، فضاعت ابنة الثامنة عشرة مستقبلها.