تستحق النمسا، أن يطلق عليها بحق، لقب واحة المسلمين في أوروبا، فلا اضطهاد من قبل الدولة، ولا تمييز تمارسه الأغلبية الكاثوليكية ضدهم، بخلاف الأقليات الإسلامية، في العديد من دول القارة العجوز، إضافة إلى أنها تربة خصبة، وبيئة مناسبة لنشر الإسلام، الذي تؤكد الإحصاءات الرسمية، تزايد اعتناق النمساويين له، بشكل غير مسبوق. ويبلغ عدد المسلمين في النمسا، ما يزيد عن500 ألف نسمة، يشكلون6% من إجمالي تعداد السكان، البالغ نحو 8 مليون نسمة، والإسلام هو ثاني أكبر مجموعة دينية، بعد المجموعة المسيحية البروتستانتية، وفقا لدراسة، أجرتها الجمعية النمساوية للتفاهم الدولي، كما يوجد بالنمسا، حوالي87 مسجدا، منها27 في العاصمة فيينا. يذكر أن الاعتراف الرسمي للإسلام، قد تم عام 1912م، عندما أصدرت الإمبراطورية النمساوية المجرية، قانون الإسلام، ووقف القيصر فرانس يوسف، إلى جانب تشييد مسجد للمسلمين، في عاصمة الإمبراطورية بمساهمة مالية منه. لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914، حال دون تنفيذ مشروع المسجد في فيينا، وأما قانون الإسلام، فأُعيد إحياؤه في نهاية السبعينيات، بعد أن طالب مسلمو النمسا بالأمر. ويمنح هذا التشريع القانوني للنمسا، لقب أول دولة أوربية، تعترف بالإسلام رسميا، وعلى المستوى العملي، فقد منح المسلمين مكاسب واضحة، مثل وجود هيئة تمثلهم رسمياً، أمام السلطات، وإمكان حصول مؤسساتهم التعليمية والتربوية والاجتماعية، على مساعدات مالية عالية، وإدراج مادة التربية الدينية الإسلامية، لتلاميذ المسلمين في المدارس العامة. فيما يتلقى أكثر من 40 ألف تلميذ مسلم، في النمسا حالياً، تعليماً إسلامياً، على أيدي مائتي معلِّم مسلم، تشرف عليهم الهيئة الدينية الإسلامية. وأقيم أول مسجد في النمسا عام 1878 بعد مؤتمر برلين أنشأته في ذلك الوقت السلطات النمساوية للجيوش الإسلامية في مدينة فيينا. بعدها مباشرة تبرع القيصر فرانس يوسف الأول بمبلغ كبير من المال من أجل إنشاء مسجد للمسلمين وقد خصص محافظ مدينة فيينا في ذلك الوقت كارل لويجر أرضاً ليقام عليها المسجد إلا أن إنحلال الإمبراطورية النمساوية في أعقاب الحرب العالمية الأولي كانت قد أعاقت تحقيق هذا المشروع، و في ذلك الحين أقيم مصلي للمصليين في دار السفارة التركية و آخر في دار رجال الأعمال في فيينا. بعدها بدأ يتزايد أعداد المسلمين في النمسا حتي بلغ الخمسين ألفاً . و أصبحت تقام الصلاة في قاعات متعددة أشهرها قاعات المعهد الأفريقي الآسيوي و المكتب الثقافي المصري. و في عام 1968 تم تشكيل مجلس الأمناء من الدول الإسلامية برئاسة السفير المصري في ذلك الوقت حسن التهامي. و اشتري مجلس الأمناء أرضاً من بلدية فيينا، تم وضع حجر الأساس عليها في التاسع والعشرين من شهر فبراير عام 1968 بحضور وزير الخارجية النمساوي في ذلك الحين الدكتور كورت فالدهايم وشاركه رئيس أساقفة النمسا في ذلك الوقت الكاردينال كونيج وسفراء الدول الغربية والإسلامية ونقش علي حجر الأساس في التاسع والعشرين من شهر فبراير 1968 وفي الحادي شعر من شهر نوفمبر عام 1977 سُمع الآذان لأول مرة علي منارة المسجد التي اعتلاها الهلال. لا شك أن إقامة هذا المسجد ( المركز الإسلامي في فيينا ) حقق هدفاً سامياً للأعداد المتزايدة من المسلمين النمساويين و أفراد الجالية الإسلامية المقيمين و المسلمون في النمسا يتمتعون بكافة الحقوق و الامتيازات التي يتمتع بها غيرهم من أبناء الأديان الأخرى . ونري هنا ان الإسلام يحتل المركز الثاني بين الديانات المعترف بها. حيث بلغ عددهم الآن حوالي 700 ألف مسلم يمارسون شعائرهم الدينية بحرية كاملة في ظل حرية العقيدة و العبادة مكفولة للاديان دون أدني قيد. وللمسلمون في النمسا مؤسساتهم التي ترعي مصالح و شؤون هذا العدد من المسلمين، و كذلك تشرف علي أكثر من مئة مسجد، أكثر من 30 في العاصمة النمساوية فيينا. فليس في النمسا تمييز بين أبناء الشعب الواحد أو الأجانب بسبب العقيدة الدينية أو المذهب السياسي او الإتجاة الفكري فهناك عدد من المسلمين النمساويين الذين يشغلون مناصب حكومية مرموقة و يؤدون واجبهم في خدمة الوطن دون أن يكون إسلامهم عائقاً لهم عن بلوغ المرتبة الادارية أو الفنية التي تؤهلهم لها كفاءتهم أو خبرتهم بل إن المسئولين النمساويين يتعاطفون غالباً مع مواطنيهم من المسلمين. وبمساندة الحكومة النمساوية لجهود الدول العربية و الإسلامية برز المركز الإسلامي في فيينا إلي حيز الوجود و أصبح من أحد معالمها و المركز يحتوي علي مسجد كبير وآخر صغير وشرفة للنساء و مكتبة وقاعة للمحاضرات و أخري للاجتماعات و مكاتب للإمام والعاملين. وللمركز الإسلامي في فيينا دوراً هاما في جمع شمل المسلمين عبر منظماتهم وهيئاتهم في مجلس تنسيقي رسمي باسم مجلس الهيئات الإسلامية يضم ممثيلن عن جميع الهيئات والمنظمات والجاليات الإسلامية. وقد أقام المسلمون في أكتوبر الماضي، احتفالا كبيرا، في ساحة المركز الإسلامي، بالعاصمة النمساوية فيينا، وذلك بمناسبة مرور مائة عام، على الاعتراف رسميا بالدين الإسلامي، كدين رسمي في البلاد. وقد سبق هذا الاحتفال، احتفال آخر رسمي، أقيم بمقر بلدية فيينا، وحضرته القيادات السياسية النمساوية، وعلي رأسهم رئيس الجمهورية الدكتور هاينز فيشر.