التحالفات الانتخابية ظاهرة طبيعية فى أغلب النظم السياسية تفرضها أمور كثيرة منها موازين القوى بين الأحزاب والقوى السياسية وعدم استطاعة اي حزب الحصول علي الاغلبية منفردا او الظروف السياسية التى تحيط بالعملية الانتخابية ، وفى بعض الأحيان تفرضها الظروف التاريخية ، ولقد عرفت القوى السياسية والحزبية فى مصر عملية التحالفات فى الماضى القريب حققت بعض النجاح وفشلت فى البعض الآخر . غير ان ما حدث فى مصر فى السنوات الاخيرة فرض على القوى المدنية تشكيل تحالف انتخابى موحد يمكنه تحقيق نصر مظفر على القوى الظلامية التى تتربص بالبلاد والعباد وتعمل على اشاعة الفوضى مستعينة فى ذلك بأموال طائلة تملكها ودعم من بعض القوى الاقليمية والدولية التى تتربص بالدولة المصرية وتسعى الى اضعاف مؤسساتها الوطنية فى مواجهة الجماعات المتطرفة التى تستغل الدين والفقر والجهل للعب على مشاعر البسطاء بغرض الوصول إلى السلطة والهيمنة على أقدم دولة مركزية فى التاريخ لتعمل على تفتيتها وتقسيمها لتحقق لأعداء الوطن أهدافهم الدنيئة. لهذه الأسباب وغيرها طرحت فكرة تحالف القوى السياسية وفى القلب منها تحالف الأحزاب الليبرالية وبعض الشخصيات العامة ,والحق يقال إن السيد عمرو موسى كان أول من أعلن عن حاجة البلاد إلى مثل هذا التحالف ، لضمان نجاح القوى المدنية فى الوصول إلى البرلمان وتفويت الفرصة على الأحزاب الدينية وتيسير المهمة على الناخب المصرى لانقاذ الوطن وتغير الصورة الذهنية لديه تجاه فكرة تشرذم القوى المدنية خاصة وأن المشرع القانوني فرض نظاما انتخابيا مزدوجا يجمع بين القوائم والفردى وهذا فى حد ذاته يمثل عبئا على الناخب وفتصبح العملية الانتخابية اكثر تعقيدا علي الناخب فيتم تفتيت أصوات القوى المدنية وتظهر على الساحة القوى الظلامية مرة أخرى , وكما قيل من رحم الأزمات تولد الفرص فظهرت العديد من التحالفات منها الأيديولوجيى وآخر انتخابي وثالث سياسي ورابع أنتخابي سياسي واضيف اليها تحالف النقابات المهنية أعلن بعضها منذ اللحظة الأولى أن الهدف منها توحيد صفوف قوى ثورتى 25 يناير و30 يونيو .وآخر اعلن توحيد قوى ثورة 25 يناير فقط واخر يتحدث عن توحيد قوى ثورة 30 يونيو فقط دون النظر للمصلحة القومية للبلاد. ولما كان الظرف التاريخى الذى تمر به البلاد يفرض على كل القوى الوطنية إنكار الذات والعمل على تقديم بعض التنازلات للوصول إلى الغاية المرجوة وهو بناء تحالف وطنى قوى موحد ييسر على الناخب إمكانية الأختيار الجيد ويحد من عملية بطلان الأصوات ويحقق آمال الناخبين فى توحد القوى الليبرالية ويثبت انها على قدر ثقة الجماهير فيها في امكان العمل المشترك واعلاء المصلحة العليا للبلاد علي حساب المصلحة الحزبية الانتخابية الضيقة .إلا أن القوى المدنية الليبرالية أبت التوحد تحت راية تحالف وطنى واسع وسعت كل مجموعة من الأحزاب إلى تدشين تحالف خاص بها فظهر تحالف الأمة المصرية وكذا تحالف الوفد المصرى أو تحالف حزب الحركة الوطنية ومصر بلدى أو تحالف التيار المدنى أو تحالف العدالة الأجتماعية او تيار الاستقلال بالاضافة الي تحالف النقابات المهنية. مما خيب آمال الكثيرين فى فكرة العمل الجماعى بين هذه القوى.خاصة في ظل اصرار البعض علي عزل واستبعاد كل اعضاء الحزب الوطني في خلط واضح بين نظام مارس بعض قياداته الفساد السياسي والاقتصادى ونظام آخر يطالب الشعب باستبعاده علي اساس انه مارس اعمال العنف والبلطجة وايد الارهاب وحاول تغيير هوية الدولة المصرية ودخل في صدام مع كل مؤسسات الدولة الوطنية كل ذلك يستلزم انهاء حالة الأرتباك والتردد والتشرذم والتفتت بين هذه التحالفات الوليدة خاصة في ظل إتجاه بعض الأحزاب إلى الدخول فى تحالف القائمة دون المقاعد الفردية والتى تمثل 77% من عضوية البرلمان المقبل تحت زعم صعوبة التحالف فى المقاعد الفردية على الاقل فى المرحلة الاولى . وطرحت فكرة التنسيق فى الجولة الاولى قدر الامكان والتحالف والتضامن فى دعم المرشح الليبرالى فى جولة الاعادة . وهذا مؤشر على عدم الوصول إلى تخفى كبير بل يؤكد أن المشهد سوف يظل عرضة للإحلال والتجديد والتعديل والتبديل حتى موعد تقديم طلبات الترشح مما يزيد المشهد ارتباكا ورغم تفهمي لصعوبة التحالف في المقاعد الفردية الا ان الحكمة تقتضي عدم منافسة قيادات الاحزاب الليبرالية بعضها لبعض للحد من فرص تفتيت الاصوات خاصة انه في حالة الاعادة لا تلتزم القوى المدنية بدعم المرشح المدني. والمؤسف أن أزمة القوى المدنية لا تخف على أحد على الرغم من تطوع الدكتور عمرو الشوبكى وآخرين لإعداد وثيقة للتحالف تيسر عملية البناء الانتخابى السياسى بل وتمتد إلى تنسيق المواقف داخل البرلمان وعلى الرغم من غياب حزب النظام أو حزب الرئيس لأول مرة إلا أن المصالح الحزبية الضيقة ما زالت تسيطر على البعض دون إدراك للظرف الاستثنائى الذى تمر به الدولة المصرية بل إن بعض التحالفات مازالت تصر على خوض الانتخابات منفردة ولديها وهم الحصول على الأغلبية أو على الأقل الأكثرية . وهى حسابات بعيدة كل البعد عن الواقع والموضوعية مما يستدعى تدخل الحكماء والعقلاء لضمان بناء تحالف مدنى قوى خاصة وأن القوى المعادية لثورة الثلاثين من يونيو وفى مقدمتها الاخوان تعمل على إشاعة الفوضى وإبراز نقاط الخلاف السياسى والأيديولوجي بين التيارات المدنية فى محاولة منها لاقتناص المزيد من المقاعد من خلال ترشح ودعم الصف الثالث فى الجماعة أو بعض المتأخونين المتعاطفين مع التنظيم , مما يدعم ضرورة التوافق بين التحالفات المدنية ولعل الاحزاب الليبرالية تحذو حذو الوفد، حيث وافقت الهيئة العليا لحزب الوفد في اجتماعها الاخير علي خوض الانتخابات البرلمانية تحت مظلة تحالف الامة المصرية الذى دشنه عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين غير ان الوفد علق ذلك علي انضمام احزاب اخرى وارجو ان يتسع التحالف لضم كل القوى المدنية دون تعسف في فرض قيود وشروط من حزب او آخر وان يكون المعيار الوحيد في هذا الظرف التاريخي هو المصلحة العليا للبلاد. كل ذلك يجعل الحديث عن تحالفات مدنية متعددة رفاهية لاتملكها القوى الليبرالية خاصة فى ظل مطالب جماهيرية واضحة بضرورة الاندماج ، وعلى الأقل التحالف فى هذه المرحلة الحرجة فى تاريخ الوطن خاصة وأن التيارات السياسية الرئيسية التى ظهرت فى المائة عام الأخيرة لا تخرج عن التيارات الليبرالية واليسارية والإسلامية مما يؤكد إمكانية اندماج الأحزاب المدنية وتحالفها خاصة وان الأحزاب الليبرالية تستطيع استيعاب أصحاب الآراء السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار من خلال الاتفاق على البرنامج . خاصة وأن تجربة الجبهة الوطنية للتغيير 2005 و جبهة الانقاذ 2012 تؤكد إمكانية العمل المشترك وهذا فى حد ذاته يؤكد علي حقيقة مهمة مفادها تغيرالخريطة الحزبية بالكامل بعد الانتخابات . بحيث يكون لدينا حزبان كبيران او ثلاثة علي الاكثر يمكن تداول السلطة بينهم . إذن هل تنجح التحالفات الانتخابية الليبرالية فى ميلاد تحالف مارد من رحم الأزمة أم يستمر جنينا فى رحم الأحزاب المتناحرة ؟؟. عضو الهيئة العليا لحزب الوفد لمزيد من مقالات عصام شيحة