لا أعلم هل السباق المحموم لتشكيل تحالفات سياسية من قبيل الاستعداد الوطني لمعركة البرلمان المقبل، أم سعيا وراء أهداف شخصية وتعظيم المكاسب الحزبية؟ مهما كانت الإجابة، فما نراه الآن من صخب على سطح الحياة الحزبية، لا يقدم دليلا مقنعا على العافية السياسية، أو نضج القوى المصرية، وينطوى على شواهد كثيرة تقول إن أمامنا أشواطا عدة لدخول سنة أولى ديمقراطية. فالجرى وراء التكتلات لن يمنحنا بمفرده صك براءة للقفز على مراحل فشلنا فى تجاوزها بطريقة طبيعية. ومن يدقق النظر فى خريطة التحالفات يجد أن غالبيتها يفتقد للانسجام السياسى، الذى يعد من أساسيات ترتيب البيت ديمقراطياً. والمشكلة أن التحالف الذى ينشأ بين قوى مختلفة فى التوجهات والتصورات والأفكار يخرج برنامجه ممسوخا ومفتقدا للهوية السياسية. وبالتالى تبدو فرص الفشل أعلى من النجاح. وما يجرى الآن يمكن أن يكون قريبا من النتيجة السابقة. الحاصل أن تجربة التحالفات السياسية فى مصر عموما لا تبشر بالخير، لأنها تقوم على مبادرات تفتقر لأبسط القواعد والأدبيات، من توافق وانسجام ووضوح، وتميل غالبا إلى تقديم الأهداف التكتيكية على الاستراتيجية. فلم يتحدث أى من التحالفات الناشئة عن كثير من القضايا الحيوية، خارج اطار الوصول لأكبر عدد من مقاعد البرلمان. فقد مر رفع الدعم وزيادة الأسعار ولم نسمع اجتهادا مقابلا، ولم يقدم لنا أى من التكتلات الصاعدة تصورا متكاملا لمرحلة ما بعد انتخابات مجلس النواب. واقتصرت معظم الاجتهادات على التفاهم حول آلية تقسيم »كعكة البرلمان« وحدثت بسببها انقسامات وتراشقات، باعتبار أن مقاعد البرلمان هى الباب الملكى الذى يضمن لهذا الحزب أو ذاك مكانا مؤثرا تحت شمس الحياة السياسية فى مصر. الواضح من الطريقة التى جرى بها، ولا يزال، تكوين التحالفات أن أصحابها درجوا على تجاهل تشخيص الحالة المصرية بدقة، ولم يجتهدوا كثيرا فى معرفة المقاطع الأساسية والهامشية فى المشهد العام الذى يحكمنا. وحاول هؤلاء تفصيل رؤى على مقاسهم لتسهيل مهمتهم، وتعاملوا معها للأسف على أنها حقائق راسخة على الأرض. ومن أهم الأشياء التى تم تغافلها افتقادنا لمفهوم التحالف. وكل التكتلات التى شكلت من قبل ونجحت كانت مرتبطة بلحظة تاريخية معينة أو هدف سياسى محدد، ثم تنفض سريعا بتحقيق الغرض الذى ظهرت من أجله، مثل تحالف جبهة الانقاذ الذى تفتت وتشرذم عقب سقوط نظام الإخوان. لذلك يفتح »الأهرام« قضية التحالفات السياسية اليوم، على أمل التعرف على تقديرات عدد من المشاركين فيها، والفاعلين فى مطابخها السياسية، حتى تكون الصورة كاملة أمام القارئ. وعلى هذه الصفحة نقدم أربع رؤى تمثل الاتجاهات الرئيسية فى التحالفات الراهنة، ليبرالية ويسارية وثورية واسلامية، مع مراعاة وجود درجة من التداخل والتشابك بين التكتلات المشار إليها. بكلام آخر لا يوجد تحالف يعبر عن موقف أيديولوجى أو سياسى صرف، بل نجد فى أحشاء الليبرالى يساريين، وفى بطن اليسار ليبراليين، ولن يخلو كلاهما من ثوريين وربما اسلاميين.. وهكذا. أتمنى أن يكون طرح هذه القضية بداية لمناقشة جادة لمسألة التحالفات بصورة صحيحة، وتخرج من الغرف المغلقة المحدودة إلى الشارع الفسيح، وتتجاوز الأهداف الحزبية والشخصية، وتقفز سريعا لاعلاء المصلحة الوطنية فقط. ولن تكون هناك ديمقراطية فى مصر، ما لم يتم تأسيس كيانات وتكتلات حزبية قوية تنصهر معا وفقا لأفكار متقاربة، وتكون المنافسة على مخاطبة الناس مباشرة بدلا من الكلام معهم من خلف الشاشات.