«احتلال العقل وإفساد العقيدة مقدمة لاحتلال الأرض وفرض السيطرة, إنها حلقات يأخذ بعضها برقاب بعض».. كلمات استبق بها المفكر الراحل د. مصطفى محمود الزمان مستقرئا حال الشرق الأوسط الذى يعانى ويلات نمو حركات إرهابية متأسلمة تحاول فرض سطوتها تحت شعارات زائفة حول تنفيذ شرع الله . لكن أين هؤلاء الجهال من التوصيف الرائع للإسلام السياسى الذى بسطه مصطفى محمود بقوله إنه «دعوة وتوعية هدفها الوصول للرأى العام ومرادها توصيل المنهج الإسلامى فى صفاته وبساطته وشموله إلى عامة المسلمين الذين يظنون أن الإسلام مجرد صلاة وصيام, فنقول لهم بل هو حياة ومعاملة وشورى للحكام ومشاركة شعبية فى القرار» . ما دفعنى للبحث فى أغوار ما يحمله مفهوم الإسلام السياسى حالة الإنتشاء والسعادة التى عبرت عنها صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية بموقف تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الذى برر عدم جهاده فى قطاع غزة، بقوله «إن الله فى القرآن الكريم لم يأمرنا بقتال إسرائيل أو اليهود حتى نقاتل المرتدين والمنافقين»! وذهب أحد مراجع «داعش» إلى حد اعتبار أن غزة «شيعية» ولايجوز نصرتها على اليهود «المظلومين» ! هذا الخطاب الجاهل يعكس تحولا فى أولويات الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة بالابتعاد عن استهداف أمريكا أو اعتبارها العدو الأول، وربما حدثت محاولات لاسترضائها أو طلب دعمها كما حدث من جانب جبهة النصرة وداعش ضد نظام بشار الأسد إحياء لتجربة التدخل الامريكى ضد نظام القذافى فى ليبيا. وتحول الفقه السياسى لتلك الجماعات نحو استهداف الخصوم داخل الدائرة الإسلامية فحل المسلمون الشيعة محل أمريكا كهدف لتلك الجماعات التى استهدفت المنتمين لذلك المذهب فى أرواحهم ومساجدهم ومقدساتهم واستبيحت دماؤهم بشكل ليس له نظير فى التاريخ الحديث. ولم يعد لتحرير فلسطين أولوية فى خطاب الحركات الجهادية التى استبدلتها بغرس ثقافات متطرفة كاعتبار الشيعة أخطر من اليهود، لتسود شعارات فى المناطق الواقعة تحت سيطرة تلك الجماعات تعبر عن الانتماء المذهبى على حساب المفاهيم التقليدية عن «الوحدة الإسلامية» و«تحرير فلسطين» الأمر الذى ترتب عليه تخفيف الضغط على إسرائيل. وانصرفت تلك الجماعات نحو التركيز على الشكليات كإطلاق اللحى وارتداء الثوب القصير للرجال والسواك وفرض سطوة ميليشيات «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر». لمزيد من مقالات شريف عابدين