قل لى : كيف سيكون إحساسك، لو أنك كنت أبا طيبا محترما عارف ربنا، لشاب نابه ذكى متفوق، طلع الأول فى الثانوية العامة «علمى» ثم يفاجأ الأب بشائعة خسيسة حقيرة على المدعوق الفيس بوك تقول إن ابنه غشاش، حقق تفوقه وريادته على أقرانه بالغش والتدليس ؟ ثم تحدق فى شاشة الكومبيوتر فترى صورة مدسوسة مزورة «فوتو شوب» لطالب آخر مجهول الهوية يمارس الغش ومكتوبا تحت الصورة: هذا الطالب الغشاش هو الأول على الثانوية العامة؟ والأهم من ذلك، كيف سيكون إحساس الولد المتفوق نفسه؟ هل سيتألم؟ طبعا.. ولكن هل يكفى الألم؟ هل يخرج يصرخ فى البرية: برىء ياناس؟ حتى لو صرخ فما جدوى الصراخ؟ طيب.. هل يبكى سهر الليالى وإجهاد الذهن، وكلالة العينين؟ لقد سرقوا فرحة عمره، وانتهى الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذن ما الذى يكفى؟ ليس أقل من أن يكفر الولد المتفوق بالنجاح والتعب وبذل الجهد، ويلعن الكفاح والمكافحين، ثم يركن إلى الإحباط واليأس والكسل، ويهمس لنفسه همسة سعد زغلول الشهيرة «ما فيش فايدة!».. وهكذا نخسر كل يوم متفوقينا ونبهاءنا ومبدعينا، فلا يبقى منا أو فينا إلا أنصاف المتعلمين! قل لى : ما الدلالات الباطنية، والمعانى الجوانية، وراء هذا الذى جرى، وذاك الذى سيجرى، فى قادم الأيام، على الفيس بوك العجيب؟ الدلالة الأولى، أننا نعيش فى زمن من الأكاذيب والأباطيل والضلالات. شائعة مغرضة، يطلقها خبيث من الخبثاء على «الفيس»، فيصدقها الشاب، ثم بسرعة تنتشر انتشار النار فى الهشيم، وبعد حين يجرى تكذيبها.. فعلى من يقع اللوم؟ هل نلوم الشباب، سواء من روج للأكذوبة أو من صدقها، أم نلوم قوما آخرين؟ طيب.. ومن المسئول عن كل ذلك؟ هل هو الاستبداد وكبت الحريات وتكميم الأفواه؟ أم هم السياسيون الإنتهازيون الذين جعلوا من الكذب على الناس تجارتهم الرائجة؟ استفت قلبك! والدلالة الثانية، أن شيوع «الكذب» على الفيس بوك، وغير الفيس بوك، ربما كان مؤشر خوف. إن الشخص الواثق المطمئن إلى أن رأيه سيتم الإنصات له دون عقاب أو سخرية أو تجريح لن يحتاج إلى الكذب..ولماذا يكذب؟ أما الخائف المهزوز فإن الكذب هو أبوه وأمه! والدلالة الثالثة، أن استمرار هذه الأكاذيب «الفيسبوكية» من شأنه إعاقة أى مسيرة للتقدم والنمو لهذا البلد، مهما حاول الصادقون أصحاب النوايا الحسنة.. لماذا لأن المجتهدين بجد سيتم تشويههم وترويعهم وتيئيسهم من جانب الأغلبية الكاذبة الفاشلة، فيصيبهم الإحباط والقرف، وقد يطفشون، وساعتها لن تجد أحدا يعمر ويبنى، بل سنصبح كلنا حاقدين هدامين، وحذار.. فإن أسوأ أنواع الهدم ما تم «من تحت لتحت!» وهو مايجرى فى مصر الآن !. وعلى فكرة.. إن الشائعة فى حد ذاتها ليست مهمة، إنما الأهم ما وراء اطلاق الشائعة، وهو لماذا يصدق الناس الشائعة فور انطلاقها؟ ليس ثمة سوى تفسير واحد، هو أن كل واحد منا يشعر بأن الآخر كاذب، بل وكذاب، ولا يثق أحد فى أحد،، وفى مجتمع الكذابين يسهل جدا تمرير الشائعات بسهولة. إننا فى أيامنا الصعبة تلك يمكن أن يتفوه أى شخص بأى شىء فى أى وقت عن أى أحد، دونما تدقيق للمعلومات، أو شفافية فى البيانات، أو تمحيص للأرقام والإحصاءات. وطبعا.. لا عقاب على المتجاوزين. وهكذا أصبح كل كلامنا كذبا فى كذب حتى لو نطق صادق من الصادقين (على قلتهم) فلن يصدقه إنسان، وبالتالى تموت بيننا الحقائق! إن الفيس بوك خطير خطورة العقل الضائع الذى يصدقه دونما تفكير، لكن الأخطر من يقف وراء ترويج الأكذوبة! ملحوظة الختام : إن أردت إزالة دولة من الخريطة فدع الكذب يتفشى بين أبنائها. فاحذروا من أكاذيب الفيس بوك وغير الفيس بوك قدر استطاعتكم! لمزيد من مقالات سمير الشحات