حفلت المسلسلات التى عرضت بشهر رمضان هذا العام بمجموعة متنوعة من الموضوعات والأحداث. ويهمنا فى هذا المقال أن نذكر القارئ بأهم قواعد الدراما لكى يستطيع وحده تحليل ما شاهده ليستدل إذا ما كان جيدا أو سيئا مستندا على الرأى الفنى المتخصص. والحق أن فن المسلسل لم تتبلور له مدارس نقدية كبرى بالعالم حتى الآن.و السبب هى طول مدة عرض المسلسل بما يصعب على أى ناقد أن يطبق قواعد النقد العلمى عليها. فقد تكون الحلقة الأولى رائعة والثانية سيئة ثم يعود صناع المسلسل إلى تألقهم فى الحلقة الثالثة أو الرابعة وهكذا. على أى أساس إذن سيبنى الناقد تقييمه ؟ وعليه كل ما نقوم به ويقوم به غيرنا فى مصر والعالم هو اجتهادات نقدية، لعل تراكمها يوصل يوما ما إلى مدرسة نقدية فى هذا المجال. لكن لأن المسلسل فى الأساس قائم على الدراما، فمرجعيته إذن هو هذا الفن سواء فى صوره الكلاسيكية أو فى صوره المتمردة. وكى نعرف كيف يتأثر المتفرج بالمسلسل يلزم لنا أن نذكر القارئ بقواعد البناء الدرامي. كانت الدراما فى الماضى السحيق تعتمد على ثلاث وحدات هى وحدة المكان والزمن والموضوع، وهذا بناء على نظرية الفيلسوف أرسطو فى كتابة فن الشعر الذى مازال المرجع النقدى الأساسى للدراما حتى الآن. جاء شكسبير وكسر كل تلك القواعد ولم يحتفظ إلا بوحدة الموضوع، وكان من أهم المجددين وفتح بابا عظيما للتجديد فى الدراما لم يغلق حتى الآن. ويكمن سر نجاح الدرما إلى ثلاث تقنيات فنية هى التحول والاكتشاف والفاجعة. التحول هو تغير الأحداث والمواقف من النقيض إلى النقيض وفق قانون ( الاحتمال والضرورة) مثل تحول البطل من السعادة إلى الشقاء أو العكس. ويرى أرسطو أن الدراما المركبة أفضل بكثير من الدراما البسيطة، لأنها تثير عاطفتى الخوف والشفقة عند المتفرج.والاكتشاف هو التحول من حالة عدم المعرفة إلى حالة المعرفة، أو هو معرفة يقينية لحالة كانت مجهولة من قبل. وأفضل أنواع الاكتشاف هو الذى ينبع من الأحداث ويرتبط بالموضوع ومواقفه، ويحقق المغزى التراجيدي. أما الفاجعة فهى حادث مؤلم يحدث للأبطال مثل الحادثة أو الجراح أو الآلام أو مصيبة الكبري، وبسببه يحاول البطل طوال الدراما أن يتخلص من هذه الفاجعة.ومن هنا تأتى العقدة وكنا قد أشرنا اليها فى عجالة من قبل فى حديثنا عن الحبكة الدرامية. والعقدة هى تطور مواقف الفعل الدرامى حتى تصل إلى ذروتها أو قمة تصاعدها بحيث يتم إيجاد حل منطقى ومناسب لها وهو ما يسمى بالحل.إن الذروة هى أن يصل الصدام بين الإرادة الإنسانية والحتمية التى تمثلها النواميس الكونية ( القدر) لتتحطم إحدى القوتين. ولما كان من المستحيل أن تتحطم النواميس الكونية، فإن الصدام يجعل من المحتم إعادة تشكيل السلوك البشرى والعلاقات الإنسانية. والفعل الدرامى مرتبط بالإرادة الإنسانية، بل إنه يبدأ لحظة نهوض هذه الإرادة لتحقيق هدف ما أو درء خطر ما. ثم نصل فى آخر مراحل المسلسل إلى ما يسمى (التطهير) وهو مغزى الدراما وتحديدا التراجيديا، إذ أن الكوميديا تحفل وامدها بالكثير من الاختلافات. والمحاكاة فى المسلسل ينبغى أن تؤدى إلى التطهير، ومغزى التطهير أن يقع المتفرج فريسة لعدد من الانفعالات المتباينة التى تدور فى نفسه لكى يتخلص من نزعاته الشريرة ورغباته الجامحة وفرديته العمياء وتهوره الأحمق وغطرسته الزائفة. حين يرى النكبات التى تلحق بالشخصيات فى الدراما عندما تركوا نزعاتهم الشريرة تسيطرة عليهم وتجعلهم ينحرفون. ولا ينبغى أن يكون هدف المشاهد الأوحد من مشاهدة المسلسلات هو الإمتاع بكل حدوده بل يكفيه الإمتاع النابع من الموقف الدرامى المنبعث من تتابع الأحداث وتكشفها عن عنصر الإدهاش. والدراما بشكل عام تتناول قضايا السلوك الإنسانى النابعة من أيدلوجية الفرد ويتصرف بوحى منها. وهدف الفن بشكل عام هو الدعوة للحق والخير والجمال والمسلسل لابد أن يهدف فى محصلته إلى ذلك.