الحبكة فى أى عمل درامى (سينمائى او تليفزيونى أو مسرحى) كحجر الاساس فى بناء المنزل، والعمود الفقرى فى جسم الإنسان، والعمود للخيمة. قصة العمل الفنى هى ملخص الاحداث الذى تستطيع ان تحكيه فى صفحة او صفحتين أما الحبكة ( والتى يسميها البعض العقدة) فهى الطريقة أو الحرفية التى يصيغ بها المؤلف احداث عمله.هى تضم طريقة رسم الشخصيات وطريقة الحكى وفنية صياغة الصراعات الدرامية باعتبار أنه لا عمل درامى دون صراع. ومن الخطأ القول ان الحبكة مقررة أو مسروقة، فحتى لو كانت التيمة الرئيسية مسروقة وحتى لو كانت السرقة تشمل أخذ مقاطع بعينها وشخصيات من عمل آخر، لكن ما دام العمل غير مسروق بالكامل، تظل الحبكة تنتمى لخصوصية عالم أى مؤلف. ان هذا التحديد يبلور اهم الخصائص الدرامية للحدث أو الفعل، لان وحدة الفعل تشترط أن تكون حلقاته متراصة فى تسلسل منطقي. وعن هذا يقول ارسطو: (انه تنظيم للأفعال والاجزاء بحيث لو غير جزءا ما أو نزع لانفرط الكل واضطرب فإن الشىء الذى لا يظهر لوجوده، أو عدمه اثر ليس بجزء من الكل). فالحدث الدرامى الذى يبدأ من نقطة ما يشكل بداية حبكة النص التى ستنمو وتتطور عبر سلسلة من الازمات المعلولة سببياً وصولاً الى أعلى مراحل تطور الحدث، حيث تصل الازمة الى اقصى حالات توترها لكى تنفجر بعدئذ محدثة الذروة. تأمل مسلسلات رمضان يكشف لنا الحالة المزرية للعديد من المؤلفين الذين لم ينالوا اى قسط من الدراسة الاكاديمية ولا يمتلكون ثقافة حديثة تمكنهم من فهم أساسيات الدراما، إنما جانب كبير منهم خرج من ورش الست كوم ( الشبيهة بالوجبات السريعة) ليضيفوا الى عالم الدراما المصرية بلاء بدلا من اصلاحه. لكن يظل الثلاثة الكبار هذا العام يتألقون بجمال حبكات أعمالهم، وخصوبة ابتكاراتهم الفنية. مسلسل دهشة الذى كتبه عبد الرحيم كمال ,اخرجه شادى الفخرانى مرتكز على مسرحية الملك لير لوليام شكسبير. وكل من قرأ المسرحية يعرف كم هو صعب صنع عالم خاص ونقل الأحداث الى أجواء خاصة متخيلة بصعيد مصر. عملية التأصيل الثقافى التى صنعها المؤلف جد مرهقة وتحتاج لموهبة كبيرة وفهم عميق للأرض والبشر.أما الحبكة فأميل بتشبيهها بنظرية جبل الجليد، الذى يظهر شيئا فشيئا جزء منه لنعرف كم حجمه وتأثيره.جعل عبد الرحيم كمال نوايا الشخصيات تظهر ببطء و بقوة، ومعها تتكشف خيوط الصراع و طبيعة الأضداد وشكل الصدام القادم. تماما كالساعة الرملية التى تمتلئ ببطء، تتراكم الحبكة فى خلايانا رويدا رويدا كأنها تملؤنا بالزخم. وعلى العكس من هذه الحبكة تأتى تلك المنتمية لمسلسل الوصايا السبع للمؤلف محمد امين راضى والمخرج خالد مرعى. الحبكة مراوغة، ما أن يتأكد المتفرج انه يعرف حقيقة ما حتى تتبدل وتصبح سرابا. زوج «إم إم» ( يتسخط) قردا ثم نكتشف انها لعبة، ومحمود يسترزق بماء ظهره ويبيعه للنساء لكى تحمل، ثم يقوم بتحليلات طبية فيكتشف انه عقيم ، ليكتشف بعدها مرة أخرى أنه قادر على الإنجاب. كل الشخصيات هكذا وكل الاحداث هكذا. لاتوجد حقيقة ثابتة. وبفضل قدرة المخرج ومعه مدير التصوير الكبير ايهاب محمد على، يصل الايهام الى مداه بانه كل ما يحدث واقعى، بالاضافة للاستخدام الموحى بالالوان فى ديكورات شيرين فرغل. كل ذلك ساعد على اللعب بالمتفرج الى اقصى مداه وتحقيق الهدف العام للمسلسل وهو اعادة النظر فى مبادئ الانسان واختياراته وخطاياه.أما سراى عابدين للكاتبة هبة مشارى حمادة، فحبكته واضحة معالمها للمتفرج من الحلقة الاولى، حيث تتصارع زوجات الخديو وعشيقاته للاستئثار به وبحث كل امرأة عن قهر غريمتها. اما أفعال الخديو لتطوير مصر، او الصراعات الاخرى بين خدم القصر والعاملين به فهى الحبكات الفرعية وهى شئ مختلف كليا عن الحبكة الرئيسية، هى مجرد وسائل مساعدة لمساندة وتقوية الصراع أو الصراعات الرئيسية.