تقول الأخلاق العربية انه عندما يهبط فوق رأسك فى بيتك ضيف لا تعرفه، فان أول ما ستفعله هو أنك ستفترض به حسن النية، وترحب به حتى اذا كان موعد حضوره غير مناسب لك، وكان الأمر يصل فى الماضى الى استضافته 3 أيام كاملة، ولكن اذا ما تبين أن هذا الضيف يبغى الشر والتخريب، مستترا وراء حجب تبدو شريفة، فعندئذ، لا ضيافة ولا استضافة، وانما الطرد الفورى، واذا رفع السلاح، اذن فهى الحرب. والحق أننا استضفنا مسلسلات رمضان وأبطالها وبطلاتها الآن ما يزيد كثيرا على أيام الضيافة العربية الثلاثة، ونستضيف كل عام عددا وافرا من الضيوف، نفترض فى معظمهم كل مرة حسن النية، فهم يطرقون أبواب بيوتنا عبر شاشة «التليفزيون»، فى أردية «الأعمال الفنية» التى تناقش مشكلات المجتمع وتحللها، وعلى الرغم من أن موعد حضور الضيوف بهذه الكثافة فى شهر رمضان الكريم هو أصلا غير مناسب، لكننا أيضا نتفاعل ونرحب، لأسباب عديدة ترتبط بالآلة الاعلامية الجهنمية، التى تقودنا انقيادا وتفرض علينا أولوياتها فى أحوال كثيرة، والويل لمن لا ينقاد، فهو فى هذه الحالة، شاذ، مختلف، متخلف! الخلاصة، أننا نتفاعل مع الضيوف، ولو مع أعداد محدودة منهم، لكن يبقى أننا فى كل عام، نفاجأ، وياللعجب، بأن «معظم» الضيوف يبغون الشر والتخريب، مستترين وراء حجب تبدو شريفة، وهم بالطبع لا يستهدفون التخريب بشكل متعمد، لكن أفكارهم ورؤيتهم الخاصة للقيم، هى بالفعل تؤدى الى تخريب العقل، وتشويه الروح، وشيوع الفحش والبذاءة اللفظية والخلقية. وما الحكمة من كل هذا الهوس بالجنس وجسد المرأة ثم يقولون لك انهم أشد الناس احتراما للمرأة؟! ويقولون لك انها الضرورة الدرامية، وان الفن لا تنطبق عليه أحكام التقييم الأخلاقى، علما بأن أعمالا كبيرة لكن «نادرة» قد ناقشت عبر تاريخنا الفنى فى السينما والتليفزيون، كل ما يمكن مناقشته لكن برقى وحرفية وذكاء فنى، غير جارح، اذن فالأمر ممكن، لو صلحت النوايا. ويقولون لك ان بذاءة الخلق والألفاظ موجودة فى الشارع والحارة والعشوائيات فكيف لا نناقشها ولماذا نضع رءوسنا فى الرمال؟ وهذا حق يراد به باطل، فالحق أن البذاءة موجودة، لكن الباطل هو مناقشتها بأسلوب عرضها تماما كما هى، فاذا ما فعلنا ذلك، فاننا بهذا ننقل الشارع الى البيت، ونعلم البذاءة للنشء، لا نقيه منها، أو على الأقل نكسر الحاجز النفسى بينه وبينها، ذلك الحاجز الأخلاقى الذى يجتهد الآباء فى بنائه سنوات وسنوات، لعله يفيد الصغير ويحميه قبل خروجه الى الشارع. ولنكن أكثر جرأة، فلا نكتفى بطرد الضيف المخرب، بل نعلن الحرب عليه، مادام أنه يحاربنا بأسلحته داخل عقر دارنا، وحربنا عليه هى بفضحه، بأن نقول لهؤلاء، اننا نفهمكم أو «معظمكم»، نفهم أن القشرة الفنية الضئيلة المتهالكة لأعمالكم انما تغلف فى الأساس تجارة وربحا وتسويقا واعلانات وشهرة، هى «سوق» الكل يربح فيها الا «المستهلك»، وهو المواطن المضيف فى منزله، وهى بورصة تتقافز فيها أسهم «النجوم» عاما بعد عام، بينما تهوى مؤشرات المجتمع، وأخلاقياته وقيمه وسلامه الطبقى، الى الصفر. لابد أن هناك من حل، يوازن بين الأمور، يجمع بين الحرية والأخلاق، لابد أن هناك من حل! والآن، فاننى أعود لأقرا ما خطته يداى فى السطور السابقة، لأتساءل فى ترقب، ماذا عساى فعلت؟ هل تحدثت عن الأخلاق فى الفن؟ هل جرؤت؟ هل أقوى على مواجهة الآلة الجهنمية الجبارة من اعلاميين ومثقفين وفنانين؟ تلك الآلة التى سترشقنى سريعا باتهامات الجمود والرجعية والانقلاب على الحرية، وربما «الأخونة» أيضا، أو على الأقل، بأننى شاذ مختلف متخلف، هل أجرؤ؟ وأقول، نعم اننى أجرؤ، فقد مللنا من التنقيب عن فن راق، وهرمنا من الانتظار. أما أنت..فاذا كنت لا تجرؤ..سأقول لك..«امشى ورا فنهم .. بس ياريتك تلاقى الصدق فى قلبهم»!