رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة. نظرت إلى الشاشة فوجدت أن الرسالة كانت عرضا لتحميل آيات من القرآن الكريم. ويأتى الحديث المكثف عن القرآن الكريم فى شهر رمضان كأمر منطقى. فقد نزل القرآن منذ أكثر من 14 قرنا من الزمان فى شهر رمضان وتحديدا فى ليلة القدر التى أكد الله فى كتابه العزيز أنها ليلة خير من ألف شهر. ولم ينزل القرآن الكريم فى ليلة مميزة فقط بل جاء نزوله كمعجزة تتماشى مع كون القرآن الكريم معجزة إلهية فى حد ذاته. فقد نزل القرآن الكريم كمعجزة من السماء لدعم رسالة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ودليل على صدق رسالته. لقد حمل القرآن الكريم من الإعجاز والأسرار ما جعله يستحق وصفه بكتاب الله، فهو معجزة دعوة الإسلام ودعامة شريعته، وهو دعوة أبدية لخير وسلام وصحة الإنسانية. والقرآن معجزة مستمرة، فهو منبع هداية وإرشاد ومصدر تشريع وأحكام، وهو يخاطب العقل ويدفعه إلى التفكير والتدبر فى أى زمان ومكان. ويرى العلماء وفى مقدمتهم جلال الدين السيوطى أن القرآن نزل كاملا فى ليلة القدر إحدى ليالى شهر رمضان. فقد نزل كاملا إلى سماء الدنيا فى تلك الليلة المباركة ثم بدأ الله فى تنزيله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بشكل منجم مجزأ على مدار أعوام تتراوح بين عشرين إلى ثلاث وعشرين عاما هى مدة دعوته صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى فى كتابه العزيز:"وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا"(الإسراء: 106) ومعنى كلمة على مكث أى بتؤدة وتأن. ويتألف القرآن الكريم من 114 سورة، ووفق النزول فإن 86 منها تصنف بالمكية و28 منها مدنية، ويضم القرآن وفق تقديرات غالبية العلماء 6236 آية. وعندما أجريت دراسات لتحليل مضمون ومحتوى القرآن تم التوصل إلى أنه يحتوى على: العبادات والأحكام العملية المنظمة لحياة المسلم ولعلاقاته بالمسلمين وغير المسلمين مثل الصلاة والصوم والصدقات والمواريث والزكاة والحج والزواج والطلاق ومعاملة الطفل والأزواج والناس والمعاملات التجارية بأنواعها والجرائم بأنواعها وأحكام الحرب والسلم والمحافظة على الحقوق والعدل والمساواة. والعقائد التى يجب الإيمان بها متضمنة الغيبيات والحديث عن الإنسان ما بعد الموت ويوم الحساب، وتحديد الحدود الفاصلة بين الإيمان والكفر. والأخلاق التى يجب أن يتحلى بها الإنسان والتحذير من الأخلاق السيئة. كما يتضمن أيضا الأمر بالنظر إلى معجزات الله والتدبر فيها ومعرفة أسرار الكون، وتناول سيرة الأولين والسابقين من الأمم والأفراد للاتعاظ، وأخيرا توجيه التحذير والتخويف من عاقبة البعد عن تنفيذ أوامر الله والإبتعاد عن الخير. وظلت دلائل الإعجاز الأدبى واللغوى والبلاغى والبيانى والعلمى تثير عجب كل من يقرأ القرآن ويتمعن فى محتواه على مر العصور. وقد نال القرآن إعجاب غير المسلمين فى أنحاء العالم وفى كل العصور. وعلى الرغم من هجوم البعض عليه وعلى الإسلام فإن تلك الهجمات سرعان ما تتبدد وتتلاشى ويبقى القرآن معجزة حية لكل العصور. ومن الغريب أن غالبية المشكلات والأزمات التى يعانى منها البشر قد عالجتها آيات القرآن. وبالتالى فإن قراءة كلمات الله عز وجل والتدبر فيها تدل وتلهم البشر إلى الحلول. ولكن الطمع والجشع وحب مباهج الدنيا من ثروات ونفوذ ومناصب وملذات تعمى البصيرة فتسود الفوضى ومعها تظهر كافة السلبيات التى تدمر المجتمعات والأمم!! وكانت أكبر آفة إبتليت بها المجتمعات الإسلامية على مر العصور هى إصرار البعض على تفسير القرآن وفقا "للهوى" والتفنن فى تعقيد التفسيرات وإصدار الفتاوى بغير علم. وبمرور الوقت تحول كتاب الله "لدى البعض" إلى وسيلة لنيل غايات دنيوية وتحقيق مآرب شخصية حتى وإن تعارضت مع صحيح الأخلاق والدين!! ولكن يظل القرآن معجزة إلهية مرسلة إلى البشر فى كل زمان ومكان. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ