لم يحدث فى تاريخ الحكومات المتعاقبة على حكم مصر، أن اعترف وزير بالتقصير أو الإهمال أو طلب إعفاءه من منصبه لفشله فى القيام بمسئولياته ومهامه ، ولم يسبق أن قدم أحد الوزراء من قبل اعتذاراً للشعب عن تدنى مستوى الخدمات التى تقدمها الوزارة، ولكن فعلها الدكتور مصطفى مدبولى، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، حينما اعتذر للمواطنين، عن تدنى خدمات مياه الشرب فى عدد من المحافظات.. ولكن الأهم من الاعتذار والاعتراف بالمشكلة، أن يخرج علينا الوزير بحلول واضحة ومحددة لأزمة مياه الشرب التى ضربت العديد من المناطق فى محافظة الجيزة وعلى رأسها الكوم الأخضر، والطوابق، وهضبة الأهرام ، فأحالت حياة الناس إلى جحيم، بعد أن أصبحت مياه الشرب ضيفاً عزيزاً عليهم، لا يرونه إلا ساعة واحدة فى اليوم فى نهار رمضان أوليله ، وقبلها فى أيام الحر القاتل. ومن الإنصاف، ألا يحمل أحد وزير الإسكان الحالى الدكتور مصطفى مدبولى المسئولية عن إهمال وتقصير وفساد دام لسنوات، حتى أصبحت أزمة مياه الشرب بالجيزة تستعصى على الحل، إلا إذا أراد الوزير الحالي- الذى جاء بعد ثورتين- أن يضع حلا لها ، وأن يصارح المواطنين بالفترة الزمينة التى يستغرقها حل أزمة المياه بالجيزة، وغيرها من المحافظات، وفق خطة واضحة ومحددة، حتى يتخلص الناس من كابوس المياه الذى لم يرحل بعد، بالرغم من ثورتين دفع فيهما المصريون الغالى والنفيس من أجل تحسين أحوالهم والحصول على حقوقهم. نعود قليلاً إلى اعتذار وزير الإسكان والذى قال فيه: « ندرك أن هناك مشكلات فى عدد من المحافظات، ونقدر معاناة أهالينا، خاصة فى ظل الصيام، والحر الشديد هذه الأيام، ولهذا نعتذر للجميع، عن تدنى خدمات مياه الشرب المقدمة للمواطنين فى بعض المحافظات، ونصارحكم، فلا ندعى أن «كله تمام»، بينما أهالينا فى المحافظات يعانون انقطاعات فى المياه لفترات متكررة، ونؤكد أن هناك اجتماعات ومتابعة على مدى اليوم لمناطق الشكاوي، لوضع حلول عاجلة ودائمة، وتحسين الخدمة بها. الأزمة وأسبابها ويشرح وزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولى أسباب الانقطاعات والشكاوى المتكررة من خدمة مياه الشرب هذه الأيام، قائلا: اجتمعت عدة عوامل أدت إلى حدوث مشكلات فى خدمات مياه الشرب، فى المحافظات على السواء، فما بين تأخر تنفيذ بعض المشروعات الكبري، بسبب أخطاء فنية، مثلما حدث فى مشروع محطة مياه القاهرة الجديدة، أو بسبب رفض عدد من الأهالى مرور خطوط المياه فى أراضيهم، مثلما حدث فى مشروع توسعات محطة مياه العاشر من رمضان، أو غيره من المشروعات على مستوى الجمهورية، حدث عجز شديد فى كميات المياه المنتجة، فى مقابل زيادة فى الاستهلاك، مشيراً إلى أن هناك عددا كبيرا آخر من المشروعات توقف، أو تأخر تنفيذه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، سواء بسبب الانفلات الأمني، وعدم تمكن شركات المقاولات من تسلم المواقع لبدء تنفيذ المشروعات، أو نتيجة للظروف الاقتصادية، وعدم وجود تمويل فى الموازنات لهذه المشروعات، ناهيك عن المبانى المخالفة التى أعقبت قيام ثورة يناير، وتخطى عددها مئات الآلاف، ومثلت ضغطا شديدا على شبكات مياه الشرب، والصرف الصحي، إضافة إلى التعديات المستمرة من بعض الأهالى على الشبكات والوصلات، وكذا تعمد عدد من الأهالى إغلاق محابس المياه عن بعض القري، لزيادة الضغوط فى قراهم، كما لا يخفى على أحد أن الانقطاعات المتكررة فى الكهرباء تؤدى إلى توقف المحطات، وهو ما يؤدى إلى استغراق وقت طويل لعودة المحطات للخدمة بعد عودة التيار الكهربائي. يضيف وزير الإسكان: « لقد صارحناكم بالتحديات التى نعمل حاليا على مواجهتها، سواء بدفع المشروعات المتوقفة، أو المتأخرة، وعلى سبيل المثال مشروع محطة مياه القاهرة الجديدة عقدنا لمتابعته أكثر من 10 اجتماعات، وزرنا الموقع ما يزيد على 7 مرات، وذللنا كثيرا من العقبات، بهدف واحد هو تشغيل المشروع، لأننا ندرك أن هناك عجزا فى كمية المياه بالمدينة، كما قمنا باستصدار قرارات نزع ملكية لعدد من مساحات الأراضى التى رفض أصحابها مرور خطوط المياه منها، بعد أن فشلت المفاوضات معهم، كما ننسق مع شركات الكهرباء لعدم قطع الخدمة عن محطات المياه، ونواجه بحزم، بالتنسيق مع المحافظين، وقوات الأمن، أى محاولات للتعدى على الشبكات، أو غلق المحابس، أو الوصلات خلسة، كما أن موازنة العام المالى الحالى خصصت موارد كبيرة لمشروعات مياه الشرب والصرف الصحي، ستسهم فى تحسين خدمات المياه، وتخفيف معاناة المواطنين من مشكلة الصرف الصحي، مؤكداً أن الفترة الماضية شهدت افتتاح عدد من المشروعات، أسهمت فى حل مشكلات كثيرة، وهناك مشروعات أخرى نعمل جاهدين على الانتهاء منها فى أقرب وقت ممكن، وهناك متابعة مستمرة لهذه المشروعات. انتهى كلام وزير الإسكان واعتذاره .. فماذا يقول المواطنون؟ الفادي.. مأساة مستمرة هنا يؤكد محمد عياد أخصائى ترميم ومقيم فى شارع الفادى بالكوم الأخضر فيصل ، أن أزمة المياه مستمرة فى منتصف الشارع فقط من ناحية طريق «كعبيش» طوال شهور الصيف، وزادت حدتها فى شهر رمضان، حتى تأتى المياه لمدة ساعة ثم تنقطع وتغيب بعدها لساعات طويلة، ثم تأتى فى أوقات عجيبة حين يكون الناس نائمين، والعجيب أن المياه موجودة باستمرار فى نفس الشارع من بداية ناحية شارع الدكتور لاشين حتى منتصفه بعد المسجد بعدة منازل ، ثم يعانى نصف الشارع الآخر بدءا من رقم 35» برج الرحمة» حتى طريق كعبيش من انقطاع المياه دون سبب واضح، سوى أن البعض يبرر الأزمة بأن المواسير المياه على عمق مترين من نهاية الشارع عند طريق كعبيش ثم تنخفض بعد ذلك إلى عمق 4 أمتار كلما اتجهت إلى بدايته عند شارع لاشين، وهكذا نحن نعيش مأساة حقيقية، فهل تتحرك شركة المياه لفحص المواسير، والتأكد من عدم وجود عيوب فنية فى توصيلها تحول دون وصول المياه إلى منتصف الشارع وصولاً إلى طريق كعبيش؟. تفسيرات عديدة نفس المشكلة يتحدث عنها محمد ممتاز وهو أحد سكان شارع الفادى أيضاً، حيث يؤكد أن المياه موجودة فى منتصف الشارع منذ بدايته فى شارع لاشين، ثم تنقطع فى النصف الآخر حتى طريق كعبيش، مؤكداً أن أحد العاملين بشركة المياه أخبره بأن هناك عيوب فنية فى وضعية المواسير، حيث تأتى المواسير من كعبيش إلى الشارع على عمق مترين وينخفض عمق المواسير الأخرى الملحقة بها إلى 4 أمتار مما يعنى تسرب كمية المياه إلتى تأتى إلى الشارع إلى النصف الآخر وصولا إلى بدايته فى شارع لاشين، أما التفسير الذى ساقه آخرون فهو أن نقص كميات السولار التى تصل إلى المحطات يقف وراء الازمة، حيث يتم تشغيل المحطات بالتناوب.. وهناك تفسير ثالث بأن أعمال الحفر فى شارع كعبيش هى التى تقف وراء الأزمة.. وهكذا نحن حائرون بسبب التفسيرات المتعددة من ناحية وبسبب العطش من ناحية أخري.. فهل يتم الحفر لإصلاح الخلل الفنى فى توصيل مواسير المياه إذا كانت هى السبب الحقيقى وراء هذه الأزمة؟ فيما يؤكد سعيد مجد وهو أحد سكان شارع يوسف فهمى (أحد تفرعات شارع العريش) أن المياه تأتى لمدة ساعتين ثم تنقطع لمدة 5 أو 6 ساعات، ولا أحد يعرف السبب فى انقطاعها، فلا أحد يجيبنا ولا يشرح لنا سبب هذه الأزمة، والعجيب أن تنقطع بالتناوب بين المنازل فى نفس الشارع، حيث تأتى لبعض المنازل ثم تنقطع وتذهب لمنازل أخري، ونحن نريد تفسيراً واضحا لهذه الأزمة، ورؤية محددة وجدولا زمنى لحلها، فنحن لم نعد قادرين على الاحتمال. ** سألنا الدكتور على عبد الرحمن محافظ الجيزة: هل لديكم حل لأزمة المياه الطاحنة التى أصابت منطقة الكوم الأخضر؟ محافظ الجيزة: هناك مشكلة كبيرة، ولكن يتعاون فى حلها شركة مياه الشرب بالجيزة والجهاز التنفيذي، الأزمة مسئولية الشركة فى الأساس، لكن هناك نقصا عاما بين معدلات الاستهلاك فى الصيف وكميات المياه التى تنتجها المحطات، وهناك مناطق فى نهاية الشبكات لا تصل إليها المياه إلا بعد انخفاض معدلات الاستهلاك، ولذلك هناك مشروع مع مدينة الشيخ زايد بحيث تذهب كميات من المياه منها إلى هضبة الأهرام لحل الأزمة فيها. حل عاجل حملنا ملف الأزمة إلى المهندس حنفى محمود حنفى رئيس مجلس إدارة شركة مياه الجيزة والذى أكد أن منطقة الكوم الأخضر تعد من النقاط الساخنة، هى وكفر طهرمس ومنطقة الثلاث طوابق، مشيراً إلى أن الشركة تنتج مابين 3٫3 مليون متر مكعب من المياه يوميا إلى 3٫5 مليون متر مكعب يوميا، بما يكفى احتياجات سكان محافظة الجيزة، لكن ما حدث فى فترة ما بعد ثورة يناير وما أعقبها من انفلات أمني، وتعديات على خطوط المياه الرئيسية ، وسرقة للمياه فضلا عن الأبراج والمبانى المخالفة هى التى جعلت معدلات الانتاج أقل من حجم الاستهلاك مما أدى إلى وجود أزمات مياه فى بعض المناطق. وقد طرحنا القضية على الدكتور مصطفى مدبولى وزير الإسكان، ووضعنا حلين لها، الأول «عاجل»، والثانى « آجل» ويحتاج لبعض الوقت، ويتمثل الحل الأول « العاجل» فى ربط خط مياه من منطقة أكتوبر فى حى الأشجار بهضبة الأهرام، بحيث يتم توفير ما بين 30 ألف متر إلى 40 ألف متر مكعب من المياه يومياً بحيث يتم ضخ هذه الكميات إلى منطاق الأزمات فى الهرم وفيصل وكفر طهرمس، وهذا الحل قد يستغرق نحو شهر ونصف الشهر لتنفيذه، أما الحل الثاني» الآجل» فيشمل إقامة محطة مياه جديدة أو الحصول على خط لمحافظة الجيزة من المرحلة الأولى لمحطة مياه أكتوبر الجديدة والتى تنتج نحو 400 ألف متر مكعب من المياه يومياً، وسيتم الانتهاء منها فى يونيو من العام القادم 2015 ، مما يعنى أن هذا الحل سيستغرق عاماً كاملاً ، ولذلك وافق وزير الإسكان على الحل العاجل، وتم تكليف أحد المكاتب الاستشارية، وسيتم طرح كراسة الشروط ، على أن يبدأ التنفيذ خلال الفترة القادمة لحل الأزمة. وهكذا.. تظل أزمة المياه فى الكوم الأخضر ، وغيرها من مناطق الجيزة مستمرة، حتى تضع وزارة الإسكان ضمن أولوياتها خطة لتطوير خدمات مياه الشرب وإنشاء مشروعات جديدة للتخفيف عن المواطنين الذين يعانون منذ سنوات .. فهل تستجيب؟