الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، هو رمز من رموز أمتنا العربية والإسلامية، عبر مؤلفاته التي بلغت أكثر من 100 كتاب وعشرة من بينها شرح صحيح البخاري في 16 مجلدا وموسوعة للأحاديث الصحيحة مع شرحها. له مواقف لا تنساها ذاكرة التاريخ في الدفاع عن الإسلام وعن السنة النبوية، وله كتب رد فيها على الذين تطاولوا على الرسول صلى الله عليه وسلم مثل (نصرة الرسول والرد على الظالمين)، و(السنة في مواجهه التحدي )، إلى غير ذلك من المؤلفات القيمة التي اختارتها الجامعات الإسلامية في الوطن العربي والإسلامي لتدريسها في تلك الجامعات، هذا إلى جانب إسهاماته الدعوية في وسائل الإعلام، فعلى مدى نصف قرن استمع المشاهدون في مصر والعالم الإسلامي اليه وهو يتحدث يوميا عبر إذاعة القرآن الكريم شارحا للحديث، واستمع الناس لحواراته في الثمانينات في ندوة الرأي التي كان يحاور فيها الفكر بالفكر لتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الشباب، وله إسهاماته في كبري المؤتمرات العلمية التي رفع فيها اسم الازهر ومصر عاليا حصل مؤخرا على جائزة النيل وهى اعلى جائزة فى الدولة يمنحها المجلس الأعلى للثقافة لتحمل أكبر الدلائل على أن مصر لا تنسى شوامخ علمائها وأمتها الذين أثروا الحياة الثقافية والدينية بفكرهم. والى نص الحوار : فى ظل السجال الفكرى حول آليات تجديد الخطاب الدينى بما يتماشى مع طبيعة المرحلة الراهنة اعتقد البعض وجود أزمة راهنة بين الأزهر ووزارة الثقافة، وذلك على الرغم من حصولك على جائزة المجلس الأعلى للثقافة منذ أيام قليلة؟ لا توجد أزمة بين الأزهر الشريف ووزارة الثقافة، ومن يدعى أو يظن ذلك فهو واهم، فالأزهر مرجعية دينية ليست فى مصر وحدها بل فى العالم أجمع، ووزارة الثقافة هى العقل الذى يعمل على التثقيف والإبداع والفكر وبينهما تلازم، والأزهر مرجعيتنا الدينية الأصيلة ووزارة الثقافة لها رسالتها فى التثقيف ونشر الثقافة الصحيحة والإبداع والفن، والحمد لله كان للمجلس الأعلى للثقافة علماؤه وكبار أعضاؤه رأيهم عندما عرض عليهم الإنتاج العلمى الخاص بجائزة النيل التى حصلت عليها واتفق المجلس على إعطائى إياها، وأنا احد علماء الأزهر، ولا يوجد حساسية او معارضه أو تعارض بين الأزهر ووزارة الثقافة لكن هناك اختلافات فى وجهات النظر، وهذا لا يعنى القطيعة، واختلاف الرأى لا يفسد للود قضية، ولشيخ الأزهر قدره ووضعه وللثقافة والقائمين عليها قدرها ورسالتها، وأتمنى ان يوفق الجميع ويتعاونوا لنشر الفكر الوسطى المستنير والذى يتبنى الأزهر نشره فى هذه الآونة الحساسة من تاريخ الوطن. وكيف ترى الخطاب الدينى الحالى الذى يقدمه الأزهر الشريف؟ الأزهر الشريف يتصدر للموقف بجدارة وإخلاص وأمانة، ويقدم الخطاب الدينى المستنير بوسطية لا إفراط فيه ولا تفريط، والموقف الراهن يحتاج إلى تكثيف الجرعة الدعوية، وان ينهض العلماء وأئمة الفكر والعلم والدعوة ليضاعفوا من جهودهم، واقترح ان يكون هناك حوارمفتوح بين كبار العلماء والشباب المغرر بهم، وان يكون هذا الحوار معلنا ومذاعا ومسموعا ومرئيا حتى نكشف بطلان هذا المنهج التكفيري، وأيضا نحصن الشباب من الوقوع فريسة لهؤلاء المتطرفين. مؤخرا حدث تطاول على مكانة وقيمة شيخ الأزهر من بعض رموز الجماعات الإرهابية وبعضهم ينتسبون إلى جامعة الأزهر، فما رأيكم فى المطالبات التى تنادى بوضع قوانين تجرم ذلك؟ أنا مع القوانين التى تجرم التطاول على شيخ الأزهر وعلمائه الذين يدعون إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وهذا الأمر لابد منه لأن العلماء هم ورثة الأنبياء، فالأزهر الشريف قلعة الإسلام الحصينة، وهو الحصن الباقى للمسلمين فالحفاظ عليه واجب، والحفاظ على علمائه وشيوخه أمر له أهمية قصوى، ولا يصح التهاون فى حقهم بأى حال من الأحوال. والأزهر أكبر مرجعية فى العالم يعرف قدرها الشرق والغرب، وظهر ذلك جليا عندما كنت رئيسا لجامعة الأزهر وتم افتتاح اكبر جامعة مفتوحة فى الولاياتالمتحدة وطلبوا الاستعانة بى للتدريس بها لاعترافهم بوسطيه الأزهر واعتداله ودورة التنويري. وكيف ترى تزايد الأعمال الإرهابية الحالية التى شهدتها البلاد؟ وما سبل مواجهة الفكر التكفيرى ؟ الأعمال الإرهابية التى تشهدها البلاد خارجة عن الإسلام شكلا وموضوعا وخلقا ولا يليق بإنسان مسلم أن يرى هذه الظاهرة التى حرمها القرآن الكريم فى قوله تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا( وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) فالإرهاب خارج عن الاسلام ومرتكبيه لهم العذاب الذى بينته الآية القرآنية السابقة. ويجب الأخذ على أيدى الذين يشيعون الفوضى والإرهاب ومن يمولون هؤلاء، ويجب ان يقضى عليهم فى كل بلاد العالم حتى لا تتفشى هذه الظاهرة العدوانية، ويجب مكافحتها مع رجال القلم والفكر والاعلام ورجال الدين والقضاء والجيش ولا نترك المواجهة لقوات الشرطة وحدها، ولابد أن يتصدر الموقف علماء الإسلام حتى يبينوا الحقيقة للشباب الذين غرر بهم. كما يجب على جميع المؤسسات نشر الثقافة الأصيلة بالمناهج التعليمية بدءا من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية، وبمشاركة من المسجد والخطاب الدينى من المؤسسة الدينية ووسائل الإعلام بأنواعها، وتبنى إستراتيجية واعية للحوار مع اصحاب الفكر المتطرف على غرار ندوات الحوار فى الثمانينات حتى يرجع الشباب إلى رشدهم. هل ترى أن إلغاء الأحزاب ذات المرجعية الدينية هى خطوة ستمنع استغلال الدين فى أغراض سياسية؟ قد يفيد ذلك، ولكن الأمر يحتاج إلى مراعاة الحقيقة والوقوف على معالم المنهج الذى تقوم به الأمة الإسلامية فى المرحلة الراهنة. ما رأيكم فى من يسمون أنفسهم ب ( القرآنيون ) الذين يطالبون بالاكتفاء والاعتماد على القرآن فقط وإهمال السنة والأحاديث النبوية؟ هؤلاء كذبة ومنافقون، وهم يدعون انهم يستشهدون بالقرآن فقط، وقال تعالى فى كتابه العزيز (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ولو كانوا مؤمنين بالقرآن لأمنوا بما جاء به الرسول وهذا دليل على أنهم لم يؤمنوا بالقرآن. هل هناك ضرورة للتقريب بين المذاهب الإسلامية؟ نعم بلا شك الضرورة قائمة، والتقريب بين المذاهب الفقهية موجود عند الأئمة أنفسهم فكان الإمام أبو حنيفة عنده القنوت بعد الاعتدال من الركعة الثانية فى صلاالصبح ليس سنة، بل هو عند الشافعى سنة، ومع هذا لما صلى الإمام الشافعى فى مسجد الإمام أبى حنيفة لم يقنت والقنوت فى مذهبه سنة فقال : (لا أخالفه وأنا فى حضرته)، وهذا لون من التقريب وعدم التعصب لمذهبه ولابد ان يكون من الملاحظ ان اختلاف الأئمة لم يكن فى الأصول بل فى الفروع فالأصول لا خلاف عليها من صلاه وزكاة وحج والخلاف فى أشياء طفيفة فبعض الفقهاء قالوا امسحوا رؤوسكم وعلماء قالوا لابد من مسح الرأس كلها والبعض الأخر قال جزء من الرأس فقط فأصل مسح الرأس موجود والخلاف فى مقداره. والتقريب بين المذاهب أمر لابد منه ومذهب الشيعة فيه بعض أراء الغلاة التى لا يقبلها أهل السنة مثل تجريح أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن لا نقبل ذلك لأنهم رموز الدين ويخالف قول الله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)، ونحن لا نقبل التجريح فى هؤلاء أبدا فالتقريب قائم على المذاهب المعتدلة التى ليس بها جنوح أو آراء شاذة وليس فيها تجريح لأصحاب الرسول، صلى الله عليه وسلم، والتقريب لابد أن يكون جيدا حتى لا يحدث شطط وحتى لا يحدث تعصب للآراء من المتعصبين وشوامخ أئمة الإسلام كان الواحد منهم يقول (رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غير خطأ يحتمل الصواب ) والشيخ رشيد رضا له قاعدة تسمى قاعدة ذهبية فى التقريب بين المذاهب، حيث قال :(نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)، والأئمة اتفقوا فى الأصول كلها كالعبادات والمعاملات واختلفوا فى الفروع فقط.