لطالما عرفت البرازيل بالجمالية والابداع والاسلوب الهجومي الرائع الذي صبغ منتخباتها باقدام لاعبين اسطوريين مثل بيليه ، وجارينشا ، وجايرزينيو ، وليونيداس ، وريفيلينو ، مرورا بزيكو وسقراطيس ، وفالكاو ، وصولا الي رونالدو ، وروماريو لكن ما حصل في نصف نهائي مونديال 2014 علي ارضها سيترك جرحا عميقا في قلب عشاقها الذين شاهدوها تنهي مشاركتها بهزيمة امام هولندا (صفر-3) علي المركز الثالث . نجحت البرازيل في استضافة النسخة العشرين من العرس الكروي العالمي رغم الشكوك التي فرضت نفسها قبيل انطلاق البطولة بسبب تأخر الاعمال في الملاعب والتظاهرات والاضرابات المطلبية، لكنها اخفقت علي ارضية الملعب شر اخفاق بعدما تلقت اسوأ هزيمة في تاريخ مشاركاتها في كأس العالم بخسارتها في الدور نصف النهائي 1-7 امام المانيا التي ظهرت في هذه المباراة وكأنها البرازيل بافضل حالاتها بفضل اسلوبها الهجومي السلسل والقاتل في ان واحد . سقطت البرازيل علي ارضها للمرة الاولي منذ 39 عاما وكانت في بيلو هوريزونتي أيضا امام بيرو 2-3 في نصف نهائي كأس كوباأمريكا، وتلقت اقسي هزيمة منذ سقوطها امام الاوروجواي صفر-6 في عام 1920 في كوباامريكا، واستقبلت شباكها 5 اهداف للمرة الثانية في المونديال منذ عام 1938 عندما تغلبت علي بولندا 6-5 كانت نتيجة مباراة الدور نصف النهائي كارثية علي البرازيل لانها رفعت الاهداف التي دخلت شباكها في هذه النسخة الي 11، اي اكثر بهدفين من اسوأ دفاع في البطولة (الكاميرون واستراليا بتسعة اهداف)، فعادلت اكبر عدد اهداف يدخل شباكها في نسخة واحدة (1938)، واصبحت اول مضيف يدخل شباكه هذا العدد من الاهداف، ثم اضافت ثلاثة اهداف اخري في شباكها خلال مباراة المركز الثالث امام هولندا، لتصبح اول منتخب منذ 1986 يدخل شباكه 14 هدفا او اكثر «بلجيكا حينها واهتزت شباكها 15 مرة«. كان البرازيليون يحلمون بتعويض خيبة خسارتهم نهائي مونديال 1950 علي ارضهم امام جارتهم الاوروجواي، لكن الالمان جعلوا من ذلك السقوط ذكري »جميلة« لاصحاب الضيافة بعدما اذلوهم والحقوا بهم اسوأ هزيمة في تاريخهم علي الاطلاق وعلي كل الاصعدة والمسابقات. »«كانت الأيام الماضية صعبة وسنواجه أياما صعبة لما تبقي من حياتنا ونتذكر هذا الأمر لوقت طويل« .. هذا ما قاله سكولاري عشية مباراة المركز الثالث مع هولندا التي شكلت ضربة قاسية اخري لاصحاب الضيافة، مضيفا : »قلت ذلك سابقا، تهشمت صورتي بسبب النتيجة الكارثية، كانت لنا فرص للتسجيل في بداية الشوط الثاني، لكن لم يكن لدينا ما يلزم لفعل ذلك فيما كان الحارس (الألماني مانويل نوير) يؤدي عروضا رائعة، ولو تمكنا من التسجيل وقتذاك لكانت الخسارة أقل وطأة«. وردا علي سؤال عن وعده سابقا بالوصول الي المباراة النهائية، أجاب سكولاري: »هذا ما أردنا فعله وما لم أستطع القيام به، ورأيت أن في إمكاننا الذهاب أبعد من خلال إعطاء الثقة للمجموعة... بدأنا حلما لكننا لم نكمله «..كان سكولاري وكتيبته يمنون نفسهم بتجنب تكرار خيبة عام 1950، لكنهم لم يتمكنوا حتي من الوصول الي المباراة النهائية بعد ان ودعوا النسخة العشرين بخسارة مذلة لم تكن في الحسبان. حلم البرازيليون باحراز اللقب العالمي علي ارضهم منذ ان منحت بلادهم حق استضافة النسخة العشرين في 30 اكتوبر 2007 وذلك للمرة الثانية بعد عام 1950لكن حلم »اوريفيردي« بالتتويج السادس اصطدم بماكينة الالمان الذين نجحوا في ان يثأروا شر ثأر من البرازيليين بعد ان خسروا امامهم في نهائي 2002 «صفر-2 ودخل البرازيليون الي العرس الكروي العالمي وهم متفائلون بحظوظهم خصوصا ان مدربهم الحالي هو سكولاري الذي قادهم الي اللقب الخامس والاخير عام 2002 في كوريا الجنوبية واليابان.. »البرازيل جاهزة، كل شيء منظم ومحدد وعلي الطريق الصحيح اذا التزمنا بهذا البرنامج ستسير الامور بشكل جيد بالنسبة الينا بكل تأكيد«.. هذا ما قاله سكولاري سابقا عن استعدادات منتخب لنهائيات 2014 لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي سفن »سيليساو« الذي كان يعول كثيرا علي نجم برشلونة الاسباني نيمار لكي يكرر انجاز رونالدو ، الذي قاد بصحبة ريفالدو بلاده الي لقبها الاخير، لكنه تلقي ضربة قاسية جدا قبل ثوان معدودة علي احتفاله بالتأهل الي نصف النهائي للمرة الاولي منذ 2002 بفوزه علي كولومبيا 2-1 كانت نهاية مباراة »سوداوية« للبرازيل باكملها ، فقد سقط نيمار ارضا علي عشب ملعب »استاديو كاستيلاو« في فورتاليزا ، وسقطت معه احلام بلد باكمله حتي قبل خوض الموقعة النارية مع الالمان. خرج نجم برشلونة الاسباني والمنتخب البرازيلي نيمار بخطاب مؤثر حاول ان يحبس دموعه خلاله وهو يوجه دعوة الي زملائه في »سيليساو« من اجل اكمال »الحلم« باحراز لقب مونديال 2014 الذي يقام علي ارضهم »«انها لحظة صعبة علي ومن غير السهل معرفة ما يجب قوله. حلمي لم ينته. بل تعرقل« .. هذا ما قاله نيمار بتأثر في شريط فيديو نشره الاتحاد البرازيلي قبل ان يرحل نجم برشلونة عن مقر المنتخب بعد ان تأكد غيابه عما تبقي من مشوار بلاده في النهائيات ، بسبب كسر في احدي فقرات ظهره بعد خطأ قاس من الكولومبي خوان تسونيغا. لكن الالمان حرصوا علي انهاء حلمه وحلم 200 مليون برازيلي بعد ان عجز زملاؤه عن الخروج من الصدمة المعنوية الناجمة عن خسارته خصوصا في ظل غياب القائد تياغو سيلفا بسبب الايقاف. وفي ظل غياب نيمار، لم يكن هناك من »منقذ«، فمن اين سيأتي بوجود مهاجمين عاجزين مثل فريد وجو او هولك او برنارد الذي حل بدلا من نيمار امام المانيا؟ وخط وسط عاجز عن خلق الفرص ؟ ولم يشفع للبرازيليين في مشوارهم العشريني في العرس الكروي العالمي سوي عملاق الدفاع دافيد لويز الذي كان الافضل علي الاطلاق بفضل مجهوده الرائع والحيوية التي اعطاها للمنتخب لكن حتي مباراة المانيا التي انهار فيها كغيره من زملائه وبدا كأنه لاعب هاو في مواجهة لاعبين من كوكب اخر! ما هو مؤكد ان لاعبي البرازيل كانوا ليقدموا اداء افضل لو كانت البطولة في مكان اخر، وذلك لان الضغط الجماهيري والامال الكبيرة المعلقة عليهم جعلتهم يعانون نفسيا ما دفع المدرب لويز فيليبي سكولاري الي الاستعانة بطبيبة نفسانية من اجل مساعدتهم، خصوصا بعد اللحظات الصعبة التي عاشوها في الدور الثاني حين اضطروا لخوض ركلات الترجيح من اجل تخطي جارتهم الاخري تشيلي (1-1 في الوقتين الاصلي والاضافي). وقد بدا التأثر واضحا علي غالبية اللاعبين وعلي رأسهم الحارس جوليو سيزار ، ودافيد لويز والقائد تياجو سيلفا الذين بكوا طويلا بعد ضمان وصول بلادهم الي ربع النهائي، وبعد تلك المباراة، بدأت الشكوك تساور الجمهور البرازيلي ووسائل الاعلام المحلية حول قدرة اللاعبين علي التعامل مع الضغط الناجم عن السعي الي احراز اللقب العالمي علي ارض »سيلسياو«. وقد شاهد العالم باجمعه نيمار وهو يبكي خلال اداء النشيد الوطني البرازيلي قبيل صافرة انطلاق المباراة الافتتاحية ضد كرواتيا (3-1)، ولم تفارق الدموع المنتخب البرازيلي منذ تلك اللحظة. »يبكون خلال اداء النشيد الوطني، يبكون بعد انتهاء الشوطين الاضافيين، يبكون قبل وبعد ركلات الترجيح«، هذا ما قاله المدير الفني للمنتخب البرازيلي كارلوس البرتو باريرا عن الوضع النفسي للاعبي »سليساو«، فيما قيم نجم المنتخب السابق زيكو حالة اللاعبين معتبرا ان الافتقاد الي السيطرة علي الذات قد يؤثر علي الاداء البرازيلي في ارضية الملعب.