تشهد الساحة السياسية هذه الفترة التاريخية المهمة تحركات وتداخلات يبدو بعضها غريبا، منها ما صدر فى بيان من المجلس التنفيذى للاتحاد العام لنقابات عمال مصر يعلن فيه عن اعداده قوائم انتخابية يخوض بها معركة البرلمان القادمة. وقد بدا التصريح، ومعه البيان، غريبين بعض الشيء لانهما جاءا على عكس ما تعارفنا عليه منذ القدم. عندما كنا ندرس فى مؤسسة الثقافة العمالية فى فترة الستينيات والسبعينيات دور النقابات العمالية أو المهنية وتركيبتها العضوية وأهدافها، ثم عندما مارسنا العمل النقابى المهنى فى السبعينيات والثمانينيات، عرفنا جيدا الفرق بين العمل النقابى والآخر الحزبي. وما تعلمناه فى مصر كان هو ذاته ما تعلمناه من الأدبيات واللقاءات النقابية التى كانت تجمعنا بالعشرات بل وبالمئات من النقابيين العماليين أو المهنيين من كل بلدان العالم فى اللقاءات والمؤتمرات. فالنقابات فى الأساس تنظيم أفقى تتكون عضويته من العاملين فى المهنة الواحدة او وحدة العمل الواحدة أو فى الصناعة الواحدة بغض النظر عن نوعهم الاجتماعي، نساء أو رجالا، وبغض النظر عن دينهم او عرقهم او انتمائهم السياسي. المهم أن لهم موقعا واحدا وهو انهم لا يملكون ادوات العمل التى يعملون عليها وبها، كما أن لهم مصلحة واحدة مشتركة كإجراء عمل أمام صاحب العمل وإدارته. تتجسد مصلحتهم فى أجور عادلة وظروف وشروط عمل غير مجحفة. يطلقون عليه الآن »العمل اللائق«. أما الاحزاب فلها طبيعتها الرأسية المختلفة، لأن عضويتها تكون عادة منتمية إلى موقع اجتماعى محدد، طبقة ملاك أرض او طبقة اصحاب رأسمال ومعهم من الأعضاء من يعتقد أن الطبقتين متحالفتان أو غير متحالفتين تستطيعان احداث التقدم فى المجتمع لأنهم يملكون المال الذى تحتاجه الاستثمارات. يتضح الفارق بين النقابة والحزب فى التركيب الاقتصادى والفكرى لكل منهما، تجمع النقابة كل الأجراء فى وحدة العمل أو فى المهنة ومن هنا يأتى وصفها بالتنظيمات الافقية الطبيعية فى حين يجمع الحزب ابناء الطبقة الاجتماعية الواحدة على اساس ايديولوجى ومن هنا يأتى وصف طبيعتها الرأسية. . من هذا الفارق يمكن استنتاج ان الانتخابات البرلمانية القادمة هى عمل سياسى حزبى من الدرجة الاولي، لانها تشهد تنافسا سياسيا ذا رؤى مختلفة لتطوير البلاد والخروج بها من مرحلة الانتقال والتحول إلى مرحلة استكمال بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة. كيف نرسم اقتصادها الجديد؟ ولأى الطبقات ننحاز أكثر؟ وكيف نرسم التوازن بين مصالح الطبقات؟ وكيف نؤسس لحياة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان، وما هى ضمانات ذلك؟ وكيف نترجم مواد الدستور إلى قوانين حاكمة للفصل بين السلطات ودعم الادارة اللامركزية الديمقراطية؟ وغيرها وغيرها من الموضوعات التى تحتاجها البلاد للعبور من مرحلة التحول. كلها مهام سياسية حزبية تمس العلاقات المجتمعية الكلية. وتبتعد كثيرا عن مهام النقابات سواء كانت مهنية او عمالبة. ولكن يمكن للافراد الاعضاء فى النقابات أو الاتحادات الفلاحية، وبصفتهم السياسية، ان يخوضوا الانتخابات البرلمانية كأفراد على قوائم تشكلها الاحزاب مجتمعة او منفردة او ان يخوضوها على مقاعد فردية، ولكن فى الحالتين سواء كانوا فى قوائم أو على مقاعد فردية لا يستساغ ان يخوضوها بصفتهم النقابية لان جماهير الدوائر هم من مجمل الشعب المصرى وليسوا مجرد اجراء فى وحدة عمل. لذا كان من المستغرب ان يصدر من مجلس تنفيذى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر اعلان الانتهاء من حصر قوائمه لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة مستقلا ودون اجراء التحالفات مع اى من الاحزاب السياسية الموجودة على الساحة. ويأتى الاستغراب هنا من كون الاتحاد العام لنقابات العمال يعد قوائمه الانتخابية وليس لانه لا يدخل فى تحالفات مع اى من الاحزاب السياسية المصرية. هنا لابد من التساؤل، لماذا يخوض اتحاد النقابات المعركة الانتخابية البرلمانية «كاتحاد» وبقوائم من اعضائه العمال؟ وهل يملك الاتحاد رؤية طبقية موحدة للعمال المنتمين له؟ وإذا ما امتلك هذه الرؤية فهل هى ذات الرؤية التى يتبناها العمال المنضمون للاتحادين المستقلين الموجودين على الساحة؟ وهل يجتمع كل عمال مصر على رؤية سياسية واحدة؟ وأتصور أن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ويطلق عليه البعض من العمال المنتسبين لنقابات ولاتحادات عمالية اخرى «الاتحاد الرسمي»، اراد ان يحقق بعض المكاسب التى خسرها العمال من الغاء نسبة الخمسين فى المائة من عضوية البرلمان من العمال والفلاحين. وكان الأفضل أن يشكل فيما بينه وبين الاتحادات المنشطرة الحرة جبهة واحدة تضع برنامجها النقابى الخاص بالحريات النقابية وبقوانين النقابات والعمل والتأمينات ويحاول أن يلزم الأحزاب بمطالبه بحيث تضعها فى برامجها الانتخابية وعلى جدول اعمالها فى البرلمان. فى حالة اتحاد نقابات العمال كما فى الحالة الثانية وهى »الفلاحين« اذا اتبعت ذات الخطي، اتصور ان المؤسستين قد خرجتا عن دورهما الاساسى الذى تتطَلَبه منهما مرحلة التحول الحالية وأى مرحلة سياسية اجتماعية أخري. خاصة فى الحالة العمالية التى تحتاج إلى العمل الجاد الساعى إلى اصلاح العلاقة بين العمال ونقاباتهم وخاصة تلك المنشطرة عن «الاتحاد الرسمي». وينطبق نفس المطلب من المنظمات الفلاحية. فالمرحلة الحالية تحتاج اشد ما تحتاج من المؤسستين العمالية والفلاحية الى العمل فى صفوف عضويتها بشكل ديمقراطى سعيا لتحقيق قدر عال من الوحدة حول حقوقهم العمالية، فى الحالة الاولي، ثم الحقوق الفلاحية، وهى معروفة فى حماية متطلبات الحيازات فى الاسعار المناسبة وتوفير مستلزمات الانتاج دون تسييب او سوق سوداء او فساد ثم التوسع فى الزراعات التعاقدية، فى الحالة الثانية. لا يمكن لأى فرد حرمان العمال والفلاحين، كافراد اعضاء فى احزاب سياسية، من خوض اتنخابات البرلمانية القادمة على المقاعد الفردية او على قوائم الاحزاب والائتلافات. هذا حقهم فى المساواة وفى المواطنة الكاملة. ولكن ان تخوض المنظمات النقابية العمالية او المهنية او الفلاحية المعركة الانتخابية كمنظمات ، فهذا هو الغريب والمستغرب. اما اذا استندت هذه المنظمات على مشاركتها فى لجنة الخمسين التى وضعت الدستور، فإنها تكون قد اخطأت فى اختيار المرجعية لان الدستور يوضع عادة بدرجة عالية من توافق كل الشرائح والمنظمات والأحزاب، لذا تتسع المشاركة فيه. وهذه مسألة مختلفة تماما عن الانتخابات البرلمانية. لمزيد من مقالات أمينة شفيق