لا شك أن القضية الأولى فى اهتمام الشارع المصرى الآن هى ظاهرة غلاء الأسعار، وقد كثر الحديث وزاد واتسع عن هذه الظاهرة، كل يتحدث ويلقى بالتهم يمنةً ويسرة، ويضعون الحلول والآراء، ويناقشون الأسباب والمسببات، بيد أنه ثمة سبب يتغافل عنه الناس، ألا وهو كسب الأيدي من الآثام والمعاصي وتفشى الذنوب والسيئات والتهاون في الفرائض والمكتوبات. ولو عدنا للسنة المطهرة فسنجد فيها ما يشفى الصدور ويضبط الأفعال على منهج الشرع الحنيف فى هذه الفترة الحرجة، فعن أنس قال: غلا السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله سعر لنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِى بِمَظْلَمَةٍ فِى دَمٍ وَلاَ مَالٍ" (رواه أبو داود)... إن غلاء الأسعار مما عم به البلاء، وما يقع في الناس أولاً بسبب ذنوبهم، فقد قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء: 79]، أما علم الناس أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة؟! أما علم الناس قول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]؟! أنسي الناس أو تناسوا قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]؟! أما علم الناس أن الذنوب والمعاصي ومخالفة أوامر الله والتعدي على حدوده سبب في ضيق المعايش ونقص الأرزاق؟! وذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الرَّجلَ ليُحرم الرِّزقَ بالذنبِ يُصيبُهُ " (سنن النسائى). وقد قيل لبعض السلف: ارتفعت الأسعار، فقال: أنزلوها بالاستغفار، فالعلاج العام للقضية هو التوبة والرجوع إلى الله. قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] فإذا ظهرت المنكرات في المجتمع، وعم الفساد والخنا والفجور والربا والزنا أتاهم الله بأنواع البلاء: يحبس الغيث، يغلي السعر، وهكذا ما من مصيبةٍ إلا وسببها الذنوب والمعاصي. وبهذه الآثار فليس لأحد أن يلقي باللوم على ولاة الأمر، فإن الرزق ليس بأيديهم ولا بيد أحد من الخلق، لكن الرزق بيد الخالق جل وعلا وحده، فقد قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى الله رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]. فكل ما يدِبُّ على وجه الأرض تعهد الله تعالى برزقه. {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 60]، ويروى أنه لما اشتد الغلاء بالمدينة جاء الناس إلى أبي حازم الأنصاري فقالوا له: يا أبا حازم، أما ترى، قد غلا السعر؟ فقال: وما يغمكم من ذلك؟ إن الذي يرزقنا في الرخص هو الذي يرزقنا في الغلاء. إذن فلنبدأ بأنفسنا، ولننظر إلى ذنوبنا ونستغفر ونتوب ونسأل الله أن يرخص أسعارنا. لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى