ونحن في وداع العشر الأول من شهر رمضان الكريم فأن خير الكلام كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. من كنوز هداية الله تعالى للمؤمنين ورحمته بهم أن وحد كلمتهم بالإسلام، وجمع قلوبهم بالإيمان، فلمّ به شعثهم، وأزال ضغائنهم، وشفى صدورهم، فكانوا إخوة في دين الله تعالى متحابين كالبنيان يشد بعضه بعضا، فقال في كتابه الكريم " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" آل عمران، وقال "وألف بين قلوبكم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم"، وقال "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين". إن الانشغال بالصلح بين المتخاصمين أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات لما في الإصلاح بين الناس من النفع الأكبر ووصل أرحام قطعت، وزيارة إخوان هجروا، ونظافة القلوب من أدران الحقد والكراهية، ومما يؤدي إلى متانة المجتمع وقوته بتآلف أفراده وتماسكهم، فقد روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة" أي المهلكة القاتلة المدمرة، وبيان ذلك في حديث آخر بقوله "دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء ألا وهي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين" يعني تبطل أجور الطاعات والحسنات، وقوله " تفتح أبواب الجنة يومي الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا" ، وقوله : "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام". وأقول لمن يتصدي اليوم من خلال مبادرات للإصلاح بين الناس فعليه أن يخلص نيته لله تعالى، ولا ينشد ثناء الناس وشكرهم ، ويتذكر قوله تعالي " ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيماً " ، وأن يتحرى العدل في صلحه فلا يميل لأحد الخصمين لقوته ونفوذه، أو لإلحاحه وعناده، فيظلم الآخر لحسابه، فيتحول من مصلح إلى ظالم، فقد أمر الله تعالى بالعدل بين الخصوم " فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين "، وإختيار التوقيت المناسب وقطع الطريق للمزايدين علي الوطن ومشعلي الحرائق وندبي الخدود، وفي المقابل وجب تأييده وتشجيعه بالقول والفعل، فإن إصلاح ذات البين يعود على الجميع بالخير والمحبة والألفة، كما أن فساد ذات البين يضر المجتمع عامة بما يسود فيه من الأحقاد والضغائن والجرائم والانتقام... فهل يتعظ البعض ويعتذر عن من إراد إصلاحا بخيانته دون طرح حلول خروج الوطن من أزمته. [email protected] لمزيد من مقالات محمد مصطفى حافظ