حالة من الصمت، تقبلتها المعارضة التركية على مضض، حرصا على حياة مواطنيها الذين اختطفوا فى موصل العراق، ولكن الأمر لم يمنع من أصوات بدت وكأنها استغاثة، مقرونة بعلامات استفهام، يتصدرها سؤال ما الذى حل ببلادهم ولماذا؟ إنه ثمن الرغبة الحكومية المحمومة لإسقاط بشار الاسد الذى لم يسقط فى حين تورطت أنقرة فى أتون صراعات مسلحة، لا أحد يعلم متى تنتهى، بل راحت تداعياتها تمتد لتضرب العاصمة أنقرة نفسها ومصالحها فيما وراء التخوم. وليس فقط هؤلاء أصحاب الاجندات وفقا لتوصيف رجب طيب اردوغان لخصومه الذين أصابهم الهلع والتوجس من مستقبل مجهول، بل الذين كانوا، حتى وقت قريب، من صناع القرار، ونذكر منهم عبد اللطيف شنار نائب رئيس الحكومة الأسبق وأحد مؤسسى الحزب الحاكم الذى كاد أن ينساه مواطنوه.فالرجل وقبل سنوات آثر السلامة وتفرغ لحياته الأكاديمية، بعد خلاف مع شركاء الأمس خصوصا اردوغان. لكن يبدو أن شنار روعه ما يحدث لبلاده، وسياستها الخارجية التى جلبت عليها المتاعب، وأسقطتها فى مستنقع الحرب الأهلية التى تدرو رحاها بالجارة السورية، ولحسابات خاطئة، ها هى تركيا تحصد ما زرعته، ولم يعد التطرف والتشدد على تخومها فحسب بل داخل أراضيها. وهكذا خرج شنار عن صمته وقال فى عبارات ممزوجة بالأسى بأن إرهابيو دولة العراق والشام الاسلامية يصلون إلى تركيا قادمين من سورياوالعراق لتناول الكباب بمطاعم جنوب البلاد، فى إشارة إلى مدن غازى عنتب وهطاي، وبعد ان يفرغوا من طعامهم ويحتسون أقداح الشاى يعودون ادراجهم من حيث جاءوا وهكذا دواليك. وطبيعى أن ينتقد شنار سياسة رئيس الوزراء طيب اردوغان واصفا إياها بالعشوائية والبرهان على ذلك أنها اسست تحالفا مع تنظيم داعش. عبد اللطيف، وهو أيضا أحد تلاميذ الراحل نجم الدين اربكان، لم يكتف ذلك بل لفت الأنظار إلى ان صديق الماضى أردوغان يتلفظ فى خطبه باسم تنظيم داعش مصحوبة بعبارات مجاملة، وكأنه يخاطب دولة، وهنا وجه سؤال للاتراك جميعا عليهم أن يسألوه لماذا تتعامل الحكومة التركية بهذا اللطف مع «الداعشيين»؟ مع العلم ان جميع البلدان تطلق عليهم منظمة إرهابية دموية تتعامل مع الانسان دون رحمة ؟ فماذا فعل العدالة هل استجاب لأحد مؤسسيه؟ بالطبع لا، وهذا ما أوضحته مصادر إعلامية نافذة، فصحيفة «أيدلنك»، نقلت عن مسئول أمنى على مستوى رفيع لم تسميه، قوله بأن اعضاء تنظيم داعش تلقوا دعما مستمرا من داخل تركيا سواء فى أثناء ممارستهم لآنشطتهم الإرهابية فى سوريا أو خلال زحفهم على مدينة الموصل وبعض المدن العراقية الاخرى، وكانت الآليات المستخدمة فى هذا الصدد الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعى وخطوط الهواتف النقالة. ومضى المسئول قائلا، لم يكتف تنظيم داعش بهذا القدر فحسب وانما دخل فى خضم التطورات السياسية المحلية، مشيرا إلى أن نقاط اتصال التنظيم لا تقتصر على المناطق الحدودية فحسب وانما ممتدة للمدن الكبرى ويوم الجمعة الفائت نشرت الدورية اليومية «يورت» تصريحات خاصة جدا أدلى بها أحد مقاتلى داعش، بين فيها الدعم الكبير الذى قدمه أهل الحل والعقد بالاناضول للتنظيم، ولولاه لما وصل إلى ما صار عليه فى الوقت الراهن من حيث عدد مقاتليه، والنقاط الحيوية التى باتت فى تحت نفوذه. ولم يكن هذا الكلام فى حاجة لإثبات، فقائله اصلا موجود بالاناضول يعالج هو واقران له ممن أصيبوا فى المعارك بسوريا، بالمستشفيات التركية، العامة والخاصة، ليست فى الجنوب الحدودى مع الشام فحسب بل فى انقرة واسطنبول وأزمير. من جانبهم قدر مراقبون عدد اعضاء تنظيم داعش داخل وريثة الامبراطورية العثمانية بين 2500 الى 3000 مسلح ومع ذلك لا تمتلك تركيا معلومات عن خلايا التنظيم النائمة وليس لديها أى دراسة حول تجنيد الارهابيين فضلا عن عدم امتلاكها معلومات حقيقية عن الموارد المالية للتنظيم او طريقة تحويل الاموال، إضافة إلى كل ذلك لا توجد لديها بيانات تفصيلية عن ارتباطات التنظيم مع البلدان السنية الاخرى باستثناء قطر. المدهش أن أجهزة الامن المحلية لم تعد اى تقارير، بل ولم تتخذ أى تدابير حيال تنظيم داعش، أما المعلومات التى حصلت عليها فقد جاءتها من وكالة المخابرات الأمريكية. وفيما يتعلق بتهرب وامتناع أردوغان وقياديى حزبه عن مهاجمة داعش مباشرة فهذا يعود من وجهة نظر المتابعين إلى خشيتهم من قيام اعضاء التنظيم بعمليات إرهابية دموية فى المدن التركية فى وقت يستعد العدالة والتنمية لخوض سباق الرئاسة خلفا للحالى عبدالله جول. وشيئا فشيئا تتكشف الحقائق فالصحف المناوئة للحكم، تؤكد أن تنظيم داعش وعن طريق تركيا دشن قواعد لتأمين مقاتلين من القوقاز وكما هو معروف أن له ارتباطات مع الجمعيات الشيشانية. قد تكون هناك مبالغات، لكن الثابت هو أن تلك التطورات صارت تلقى بظلال من الخوف على قطاعات عريضة من المجتمع التركى، فبلادهم إلى أين تسير؟ وهو ما جعل صحيفة «جمهوريت» أن تقول فى إحدى افتتاحياتها إن الرهائن الاتراك فى الموصل البالغ عددهم 95 مواطنا ليسوا فى ايدى تنظيم داعش وانما رهائن فى يد حزب العدالة والتنمية.