قد يكون لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى وزير خارجية اثيوبيا وتلقيه دعوة لزيارة أديس أبابا واجتماعه المرتقب مع رئيس الوزراء الاثيوبى هايلى مريام ديسالين على هامش القمة الافريقية بعد نحو اسبوعين بوادر انفراج فى أزمة العلاقات حول سد النهضة، لكنه من المبكر جدا القول ان المياه قد عادت الى مجراها الصحيح، أو أن مشكلة السد ستحل قريبا اذا لم يحدث تحول جذرى فى الموقف الاثيوبى أو الموقفين معا. فمازال الطريق طويلا بسبب تعقد الأزمة ومن غير المتوقع أن يتراجع أى من البلدين سريعا أو بشكل جذرى عن موقفه المبنى من وجهة نظره على أسس ضرورية للحفاظ عل حقوقه فى مياه النيل والتنمية. لكن نأمل أن ينفتح الطريق أمام مساعى الحل ولا يعود للانسداد عند أول عقبة تعترض مسار التفاوض. ولن تنفع عندئذ شعارات رنانة مثل صداقة البلدين التاريخية أو بفضل حكمة القادة أو الربح للطرفين ما لم يتم اقتحام جوهر المشكلة واستمر كل طرف يفسر عبارة «الربح للطرفين» وفقا لمصلحته وحده دون اعتبار لمصلحة الآخر. ولا يمكن لأحد أن ينكر الفجوة الواسعة فى الثقة بين البلدين على الأقل بسبب الحملات الاعلامية المتبادلة أو الجهد الكبير والدءوب المطلوب لتضييقها باتخاذ اجراءات عملية على أرض الواقع وليس مجرد اطلاق التصريحات أواستئناف مباحثات سرعان ما تنفض دون نتيجة. تولى رئيس جديد الحكم فى مصر أتاح للقيادة الاثيوبية فرصة جيدة لانتهاج أسلوب مختلف يساعد على انفراج الأزمة ولا يظهر لشعبها أنها تراجعت عن موقفها.فلا ننسى أن أحد عوامل التشدد الاثيوبى كان مطالبة البعض فى مصر خلال حكم الاخوان باستخدام القوة لتدمير سد النهضة وما تبع ذلك من حملة اعلامية بالغت كثيرا فى انتقاد الاثيوبيين فردوا بحملة مماثلة أكثر شراسة.وفى المقابل وفرت مشاركة وزير الخارجية الاثيوبى فى احتفال تنصيب الرئيس ورسالة التهنئة التى بعث بها الرئيس الاثيوبى مولاتو تيشومى ودعوة السيسى لزيارة أديس أبابا فرصة مماثلة للقيادة المصرية للعمل على اعادة العلاقات الى طبيعتها باعادة النظر فى أسلوب ادارة مفاوضات سد النهضة دون التخلى عن الثوابت مع وقف التصريحات السلبية والحملات الاعلامية غير المسئولة فورا. القاهرة رحبت بالتصريحات الايجابية الاثيوبية الأخيرة بشأن سد النهضة وقال الرئيس السيسى ان مصر تتفهم حق اثيوبيا فى التنمية فى الوقت الذى وصف فيه وزير الخارجية الاثيوبى تيدروس أدهانوم التصريحات المصرية الأخيرة بأنها رسالة ايجابية جدا، وقال ان هناك اتفاقا بين البلدين على بدء عهد جديد واقامة علاقات ثنائية مبنية على الثقة. لكن هذا مجرد بداية انفراج ووصول المياه الى بوابة مجراها الصحيح دون أن تدخله مما يتطلب اتخاذ اجراءات عملية على أرض الواقع. وهذا ما أكدت عليه مصر لدى ترحيبها بالموقف الاثيوبى الجديد حيث طالبت بترجمة التصريحات الى أفعال حسن نية تهيىء الأجواء لمفاوضات جادة لايجاد حل عادل للمشكلة التى أضرت بمصالح البلدين. فاعتراف السيسى بحق اثيوبيا فى التنمية لا يعنى أنه يعترف بحقها فى بناء سدود تنقص المياه الواردة الى مصر أو تؤخر وصولها. كما أنه ليس هناك ما يؤكد أن بناء سد النهضة سيعود بالفائدة على الطرفين، وبالتالى فإن ما تراه اثيوبيا «ربحا للجانبين» قد تراه مصر مكسبا لأديس أبابا وحدها. واذا كانت القاهرة قد تفهمت حق اثيوبيا فى التنمية فمن حق مصر أيضا أن تتفهم أديس أبابا حاجتها لكل قطرة من مياه النيل الذى ليس لديها نهر واحد سواه وتعتمد عليه بنسبة 95% فى حياتها بينما لدى اثيوبيا 12 نهرا ويسقط عليها سنويا أكثر من 800 مليار متر مكعب من الأمطار تعادل نصف اجمالى ما يسقط على دول حوض النيل مجتمعة متى أطلقوا عليها بحق «نافورة افريقيا». عقب اجتماعه مع الرئيس صرح وزير الخارجية الاثيوبى بأن الجانبين متفقان على اقامة علاقات مبنية على الثقة وبدء عهد جديد. لكننا نؤكد أن هذه الثقة لن تبنى إلا بإجراءات عملية تضمن عدم تجاهل أى طرف مصالح وحقوق الآخر. فلا يمكن مثلا أن ترفض أديس أبابا كل اقتراح تتقدم به القاهرة فى مباحثات اللجنة الثلاثية المصرية السودانية - الاثيوبية لمعالجة الجوانب السلبية التى رصدها الخبراء لسد النهضة خاصة الاقتراح الخاص بالرجوع الى خبراء دوليين محايدين للفصل فى القضايا المختلف عليها. فمن الذى يحكم فى أى خلاف بين أعضاء اللجنة اذا لم يكونوا خبراء محايدين من غير مواطنى الدول الثلاث؟. بينما نتفق معه فى قوله : «اذا توافرت الارادة كان هناك بلا شك طريق». ونرجو أن تؤدى الأجواء الايجابية الجديدة الى توافر تلك الارادة خاصة أن الحوار المنتظر بين البلدين سيتسع نطاقه ليشمل اللجنة الوزارية العليا المشتركة والقمة المصرية - الاثيوبية المرتقبة، بالاضافة الى اللجنة الثلاثية. فالأمر لم يعد يحتمل فشلا آخر لو حدث فقد يقضى نهائيا على ما تبقى من ثقة بين البلدين فى وقت نريد فيه اعادة بناء ما تهدم منها. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى