«تركيا بدون أردوغان» هذا هو الشعار الذى رفعته المعارضة التركية – وإن لم تكن قد أفصحت عن ذلك – بتوافقها على ترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر عقدها فى أغسطس المقبل، وهى المرة الأولى التى سيختار فيها المواطن التركى رئيسه عن طريق الاقتراع المباشر بعد أن كان حق اختيار الرئيس مقتصرا فقط على البرلمان. ويأتى توافق حزب الشعب الجمهورى الذى يمثل يسار الوسط وحزب الحركة القومية اليمينى المتطرف على الأمين العام السابق لمنظمة المؤتمر الاسلامى إحسان أوغلو ليؤكد ضمنيا أن هدف المعارضة من ممارسة السياسة ومن المشاركة فى الانتخابات الرئاسية بصفة خاصة ليس الوصول إلى الحكم، وإنما إسقاط عرش أردوغان بعد أن ظل متربعا عليه لأكثر من 10 سنوات. فأكمل الدين لا ينتمى سياسيًا للمشروع السياسى لحزب الشعب الجمهورى أو لحزب الحركة القومية، بل إن خلفيته "الإسلامية" قد تجعله أقرب إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم أكثر من قربه لأى حزب آخر. ولكنه يحظى بشعبية لا بأس بها، وليس له عداء مسبق من جانب كوادر حزب العدالة والتنمية أو الأقليات التركية ومنها الأكراد. وسوف يدفع التفاف المعارضة حوله ليكون مرشحها فى الانتخابات حزب العدالة والتنمية إلى التخلى نهائيا عن فكرة ترشح الرئيس الحالى عبد الله جول، ويصر على ترشيح رجب طيب ردوغان- حتى وإن لم يتم الإعلان عن ذلك رسميا حتى الآن. ويرجع هذا إلى عدة أسباب منها أن جول لا يتقن فن الهجوم كما يتقنه أردوغان أو "الرجل طويل القامة" كما يلقبه أنصاره. وبما أنه فى لعبة السياسة كل شىء مباح، فمن المتوقع أن يستخدم الطرفان كافة الأسلحة لضمان الفوز بالمعركة. ولذلك عمدت المعارضة إلى الوقوف وراء إحسان أوغلو الذى قد ينتخبه أنصار المعارضة نكاية فى أردوغان. وقد ينتخبه من ليسوا من مناصرى المعارضة نظرا لكونهم لم يسمعوا عنه شيئا سيئا طيلة العقود الماضية. وسيعمد حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى الوقوف بجانب أردوغان بدلا من جول لبراعته فى تلقى الهجمات الشرسة التى ستشنها عليه المعارضة وسيكون فى مقدمتها بالطبع قضايا الفساد الأخيرة. غير أن هذا الاتفاق الذى جاء بمبادرة من حزب الشعب الجمهورى ثانى أكبر تجمع بالبرلمان التركى على ترشيح إحسان أوغلو للرئاسة قد أثار ردود فعل مختلفة، أغلبها سلبى تجاهه الذى تعرض لانتقادات واسعة من المواطنين، بدءا من علاقته الوطيدة بالرئيس الحالى جول ورئيس وزرائه أردوغان مرورا بأصوله «الإسلامية» وعلاقته المباشرة مع السعودية حيث عمل لمدة تسعة أعوام أميناً عاما ل«منظمة التعاون الإسلامى»، وصولا إلى التكهنات بأن ترشيح إحسان أوغلو جاء بالتنسيق والتعاون مع واشنطن التى لا تريد منافسا قويا لأردوغان الذى يحظى برضا العواصمالغربية، على الرغم من فشله على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، الانتقادات طالت أيضا زعيم حزب الشعب الجمهورى «كليجدار أوغلو» بإبعاده الحزب عن نهج الجمهورية العلمانى الديمقراطى، والدخول فى تحالفات فاشلة مع القوى القومية والمحافظة، مستشهدين بالإنتخابات البلدية الأخيرة التى أدى فشل التحالفات فيها إلى فوز حزب أردوغان بنحو43٪ من الأصوات وحفاظه على مركزه كأكبر حزب فى تركيا. أما البعض الآخر فيرى أن إحسان أوغلو يتمتع بمواصفات المرشح المثالي، فهو ليس من الحكومة ولا المعارضة. بمعنى أنه لم يتورط فى فساد الحكومة ولم ينجرف إلى أخطاء المعارضة، وله من العلاقات المحلية والدولية بحكم عمله كأمين عام لمنظمة التعاون الإسلامى وهو أول أمين عام ينتخب بالتصويت، رصيد يؤهله إلى شغل المنصب الرئاسى فى تركيا. فمنذ توليه منصبه فى يناير 2005، يقود بفعالية المنظمة التى تجمع 57 دولة عضوا وتبنى قضية العالم الإسلامى فى هذه الأوقات العصيبة. وهو أيضا من عائلة عريقة، فقد ولد البروفيسور إحسان أوغلو فى القاهرة فى 26 ديسمبر عام 1943، وحصل على بكالوريوس العلوم ودرجة الماجستير فى الكيمياء من جامعة عين شمس فى القاهرة. وأكمل دراسة الدكتوراه فى جامعة أنقرة، ثم زميل أبحاث فى جامعة إكستر فى المملكة المتحدة، وهو يجيد التركية والإنجليزية والعربية وله معرفة عملية بالفرنسية والفارسية، وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد. أما عن إنجازاته فقد اقترح إحسان أوغلو فى مناسبات سابقة مختلفة تدابير لتعزيز السلم العالمى وتحقيق التضامن بين أعضاء الأمة الإسلامية كافة. واتخذ خطوات جادة ليجعل من منظمة التعاون الإسلامى منظمة فعالة. وأشاد بجهوده لتعزيز المنظمة كثير من رؤساء الدول والحكومات. كما أقرت بها أجهزة الإعلام والجمهور ممن شهد ردوده على التحديات التى تواجه المسلمين، هذا بجانب تأليفه عددا من الكتب والمقالات والأبحاث باللغات التركية والإنجليزية والعربية حول العلوم وتاريخ العلوم والثقافة الإسلامية والثقافة التركية والعلاقات بين العالمين الإسلامى والغربى وقد ترجمبعضها إلى الروسية والفرنسية واليابانية.