ما بين ثورتين قام بهما الشعب فى 25 يناير ، و30 يونيو، عانى المصريون الأمرين.. فقدت الدولة هيبتها.. انتشرت أعمال العنف والبلطجة.. زادت عمليات الاختطاف من أجل الفدية، والاغتصاب والقتل لأتفه الأسباب.. انعدم الأمن فى الشوارع وعلى الطرق الرئيسية.. تحطمت قواعد المرور.. احتل الباعة الجائلون الأرصفة، واعتدوا على حقوق المارة. انتعشت عمليات تهريب السلاح والاتجار فيه.. سطو مسلح على سيارات نقل الأموال.. حروب شوارع بين البلطجية فى بعض المدن، تم فيها استخدام المولوتوف والأسلحة النارية.. إطلاق النيران بشكل عشوائى على المواطنين .. حرق سيارات الشرطة، والمنشآت العامة والخاصة وتخريب المبانى الجامعية بدعوى حق الإنسان فى التظاهر. .. باختصار شعر المصريون أن الدولة فقدت هيبتها، وأن البقاء فيها اصبح للاقوي، والبلطجية وأرباب السوابق، وقطاع الطرق!! مع انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، ساد شعور بالاطمئنان، والثقة فى غد أفضل يسود فيه القانون، وترتفع فيه قيم المساءلة والمحاسبة لأى شخص مهما كان موقعه- وقد بعث الرئيس فى خطابه التاريخى فى قصر القبة خلال حفل تنصيبه- برسالة قوية للجميع أكد خلالها أن المستقبل القريب سيشهد استعادة الدولة المصرية لهيبتها ، وتطوير جهاز الشرطة ومضاعفة قدراته، وإرساء علاقة صحية بين أجهزة الأمن والشعب، وأنه لا تهاون ولا مهادنة مع من يلجأ إلى العنف ، ومن يريدون تعطيل مسيرتنا نحو المستقبل الذى نريده لأبنائنا ، لا تهاون ولا مهادنة مع من يريدون دولة بلا هيبة.وقد شهدت بالفعل الأيام القليلة الماضية إجراءات عديدة وحملات أمنية فى الشوارع وعلى البؤر الإجرامية من شأنها استرداد هيبة الدولة. قوة الردع لا شك- والكلام ل اللواء د. طارق خضررئيس قسم القانون الدستورى بكلية الشرطة والخبير الأمني- أن استمتاع المواطن بحرياته وحقوقه مكفول قانوناً، طالما لم يخرج عن الإطار المنظم لهذه الممارسة طبقاً لما جاء فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والدساتير العالمية والمصرية، وللمواطن حقوقه كاملة دون انتقاص، أما إذا خرج المواطن عن نطاق هذه الممارسة المكفولة قانوناً، فإنه بذلك يكون مخالفاً للقانون ، وفى هذه الحالة يتحول المواطن من شخص له حقوق وعليه واجبات، إلى شخص خارج على القانون، ومن ثم يجب ردعه، والتعامل معه وفقاً للقانون، وعلى الدولة بأجهزتها التنفيذية المعنية أن ترد المواطن الخارج على القانون إلى جادة الصواب، حتى لا نعيش فى مجتمع فوضوي، والذى من سماته أنه لا يعترف بالقيود، ولا القانون، ولا يعرف الخطوط الحمراء. مهام عاجلة وبشكل عام، يرى اللواء فاروق المقرحى مساعد وزير الداخلية السابق والخبير فى الشئون الأمنية أن استعادة الأمن والاستقرار، والتصدى للمتظاهرين غير السلميين حاملى الأسلحة، ينبغى أن يكون أحد الاولويات فى العهد الجديد ، مشيراً إلى أهمية فرض هيبة الدولة ، وردع المخالفين، والحفاظ على النظام العام من أجل انطلاق مسيرة التنمية التى يطمح إليها الرئيس السيسي، الذى اكد منذ اليوم الأول أنه لن يسمح بوجود كيانات موازية فى الدولة، وهو ما ينتظره المصريون جميعا، بعد 3 سنوات من المعاناة . عودة الأمن ولابد من تحقيق الأمن، فهو يمثل حجر الزاوية فى جذب السياحة، والاستثمارات الخارجية والداخلية، وتطبيق القانون بحسم على المخالفين ، و فرض قيم العدالة وإعلاء دولة القانون والتركيز على قيم المواطنة لرفع كفاءة القطاعات الأمنية وانضباطها ضمن الإطار القانونى الذى يحدد صلاحياتها ، لا سيما أن استعادة الأمن والأمان فى الشارع هى السبيل لإنقاذ الاقتصاد المصرى من أزمته الحالية ، ومن ثم فإن عودة السياحة والاستثمار الأجنبى والمحلى والإنتاج لن تتأتى إلا بعودة الاستقرار للشارع، كما أنه من الضرورى القضاء على مظاهر العنف فى الشارع، وتحقيق الاستقرار، ومواجهة الفوضي، مشيراً إلى أن ماكينة العنف سوف تستمر لفترة قصيرة، لكنها لن تكون واسعة النطاق، ولن تؤتى ثمارها. تفعيل القانون الحقوق ليست مطلقة.. هكذا قال لنا الدكتور شوقى السيد أستاذ القانون وعضو الجنة التشريعية فى مجلس الشورى سابقا.. كما أن هذه الحقوق مقررة لتحقيق مصلحة للوطن وللناس، ولذلك تقاس عدالة الحقوق وطبيعتها بما تحققه من مصالح وما تستهدفه من غايات، مؤكداً ضرورة فرض هيبة الدولة ، لأن غياب القانون يؤدى إلى إهدار حقوق الناس وحرياتهم، ويسبب أضراراً يصعب تداركها، وبالتالى ليس هناك من فرص للاستقرار سوى بتفعيل القانون، واحترام سيادته، والالتزام بالعدالة، وتطبيقه على الجميع، ليحصل كل صاحب حق على حقه، كما أن التطبيق الانتقائى للقانون يصيب العدالة فى مقتل، ويؤدى إلى الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة، ويخلق إحساسا بالقهر، والظلم، كما يؤدى إلى شيوع الحقد، والكراهية، والانتقام، ويشعل غضب الناس وثورتهم ، كما أن علاج الفوضى لا يتم إلا بتطبيق سيادة القانون، وترك الأمور تسير بصورة فوضوية يسهم فى إهدار قيمة القانون والنيل من هيبة الدولة والعدالة، ويؤدى إلى سقوطها، وهو ما يؤذى المواطنين الملتزمين المعتدلين، ويصيبهم بالاحباط، ويكرس الشعور بأن شريعة الغاب هى السائدة فى المجتمع، وبدون تطبيق القانون وتفعيله لن تكون هناك دولة. مواجهة البلطجة ومن الأهمية، تفعيل القوانين التى تواجه البلطجة ، والتخريب ، وتعطيل العمل، كما أنه من الضرورى التفرقة بين التعبير السلمى عن الرأى والنقد وحق المعارضة والتظاهر- وهى حقوق مقررة قانوناً للجميع - وإذا لم يتم التطبيق بشكل عادل وحكيم يكون القانون والعدم سواء، كما أن علاج الفوضى لا يتم إلا بتطبيق القانون، ولا شك أن التهاون فى التصدى لحالات الخروج على القوانين يؤدى إلى حالة من الفوضى ، والتى من شأنها المساهمة فى إهدار قيمة القانون والنيل من هيبة الدولة ، والعدالة، وإضعافها. وبشكل عام، فإن التعامل مع مثل هذه الظواهر الخارجة على القوانين، هو حق مكفول تعمل على تنفيذه كافة أجهزة الدولة المعنية بمواجهتها، لكن المشكلة التى نعانيها حالياً هى عدم تنفيذ القوانين على من يقطعون الطرق، ومن يتظاهرون بشكل غير سلمى يهدد الأمن والسلم الاجتماعيين، ويعرض أرواح المواطنين للخطر، ومن ثم وجب التعامل معه وفقاً للقانون ، حيث أصبح العنف لغة التفاهم بين الناس على اختلاف ثقافاتهم، وشهاداتهم العلمية، ومستوياتهم الاجتماعية والمادية، كما أن الأسلحة البيضاء وحتى النارية أصبحت سهلة المنال والاستخدام فى ظل غياب هيبة الدولة، وتراجع سطوة القانون، وضعف الأداء الأمني. هيبة الدولة أما لماذا انتشرت البلطجة فى مصر بعد ثورة 25 يناير، فالسبب يرجع فى رأى الدكتورة فادية أبوشهبة أستاذة القانون الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية - إلى ضعف هيبة الدولة، ومؤسساتها الرسمية، وسيادة قيم عدم احترام القانون، وغلبة الشعور بالاستبعاد والتهميش الاجتماعى لدى الكثير من فئات المجتمع، مشيرة إلى أن نحو 50% من البلطجية والمسجلين خطرا تتراوح أعمارهم ما بين 18 - 30 عاما، ويتركز أغلبهم فى محافظاتالقاهرة، وبورسعيد، والشرقية، فيما تضم محافظات الوجه البحرى 31%، فيما تضم ومحافظات الوجه القبلى نحو 24% من البلطجية، بينما تضم الإسكندرية وحدها نحو 7.9%، وبورسعيد 5.2%، و9% فى السويس، بينما تقل ظاهرة البلطجة فى المحافظات الحدودية وهى شمال وجنوب سيناء ومطروح وأسوان. وتتركز أنشطة البلطجية والمسجلين خطرا كما جاء فى دراسة المعاملة الجنائية للمسجلين خطرا - للدكتورة فادية أبوشهبة - فى ارتكاب الجرائم التى تخل بالأمن العام، كالإرهاب والقتل والسرقة والخطف والإتجار بالمخدرات، مشيرة إلى أن 49.2% من المسجلين خطرا أميون، و3.5% فقط حاصلون على شهادات جامعية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة عودة المسجلين خطرا إلى الجريمة والبلطجة مرة أخري، إلى ما يزيد على 55% من إجمالى المسجلين خطراً، والذين يقدر عددهم رسميا بنحو 92 ألفا و680 مسجلا خطرا، تتنوع الأنشطة الإجرامية التى يرتكبونها بين تجارة المخدرات، ثم السرقة، فالقتل، ثم الضرب المفضى إلى عاهة. بين الحرية والفوضي والحال كذلك، فإن المشكلة فى مصر كما يقول الدكتور عادل عامر أستاذ القانون بجامعة طنطا ورئيس مركز المصريين للدراسات الاجتماعية والسياسية تتجسد فى أن الكثير منا يفهم الحرية على طريقته الخاصة.. متعللاً بحقوق الانسان ، ومتناسياً فى الوقت ذاته أن الحرية مسئولية.. وأن الانفلات وتجاوز القانون لا يمت للحرية ولا لحقوق الانسان بصلة.. فهناك فارق كبير بين الحرية والفوضي.. وإذا كان التظاهر حقا مكفولا قانونا .. فليس معنى هذا الحق الخروج عن السلمية.. ولا قطع الطرق.. ولا تهديد السلم الاجتماعي.. ولا الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.. وإذا كان الاعتصام هو أحد الحقوق المقررة قانوناً للمواطنين.. فهو ليس حقا مطلقا ،بل مقيد بضوابط كثيرة من بينها عدم الإضرار بالآخرين، وعدم إيذائهم، وعدم الخروج عن المكان المقرر لاعتصام، حرصا على حركة السير والمرور بالشارع، وعدم تعطيل مصالح الناس، ومن ثم ينبغى أن يسود القانون، وأن يتم تطبيقه على الجميع، ولعلنا نتذكر ما قاله ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا ليبرر استخدام القوة فى فض مظاهرات لندن،: «عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، فلا يحدثنى أحد عن حقوق الإنسان».. لكن فى مصر ، يجهل الكثيرون الحدود الفاصلة بين حقوق الانسان وبين مخالفة القانون.. وفى تلك المنطقة تقع كوارث تهدد الوطن والمواطنين!!