ما يجرى فى العراق من أحداث درامية ليس أمرا مفاجئا, بل هو نتيجة طبيعية لتراكمات ومقدمات غذتها عوامل عديدة ، كان على رأسها المنطق الذى أديرت به العملية السياسية فى البلاد بعد الغزو الأمريكى عام 2003, التى استندت على الطائفية وسطوة فئة على حساب فئات أخرى وتهميشها سياسيا واقتصاديا, وبدلا من أن تعالج الحكومة العراقية نظام المحاصصة الطائفية وترسخ لديمقراطية حقيقية تستوعب جميع العراقيين فيها على أساس المواطنة والمساواة بين كل أبناء العراق بغض النظر عن اختلافاتهم الطائفية والعرقية وأنهم شركاء فى وطن واحد ومصير مشترك, قامت بتكريس تلك الطائفية بدعم من إيران, واتخذت العملية الديمقراطية والانتخابات غطاء لشرعنة هذا الوضع المختل, والذى خلق فراغا هائلا نتيجة لحالة الامتعاض والاحتقان لدى السنة, الذين فقدوا الأمل فى العملية السياسية فى تمثيلهم وتلبية مطالبهم, وسعى تنظيم داعش إلى توظيف هذا الفراغ وهو ما مكنه من السيطرة الواسعة والسريعة على أجزاء كبيرة من العراق. معضلة العراق الآن هى كيف يمكن وقف حالة التدهور المتسارعة ومنع الوصول إلى السيناريو الأسوأ, أى انزلاق البلاد إلى أتون حرب أهلية ذات طابع طائفى وسياسى وإقليمى تؤدى بدورها إلى تقسيم العراق وتفكيكه لكيانات شيعية وسنية وكردية؟ فنمط التعامل الحالى من الأطراف الفاعلة فى الأزمة سواء داخل العراق وخارجه تصب فى دفع البلاد إلى هذا السيناريو الأسوأ, فمن ناحية يتحدث رئيس الوزراء نور المالكى بلغة التخوين والمؤامرة ومن ثم الانتقام عبر الحل العسكرى, ومن ناحية أخرى دخلت المراجع الشيعية البارزة على خط الصراع لتصب الزيت على النار بعدما دعا آية الله على السيستانى الشباب الشيعى إلى التطوع والجهاد ضد الجماعات المسلحة, وبعدها دعا رجل الدين مقتدى الصدر أتباعه إلى استعراض القوة فى المحافظاتالعراقية لردع المسلحين وحماية المراقد الدينية, وأعلنت إيران عن استعداها لإرسال جيشها إلى العراق لحماية بغداد إذا وصل المسلحون إليها, وذلك إذا أمر المرشد العام بذلك, وفى المقابل اتهمت الأطراف السنية فى الداخل وبعض الدول الإقليمية نور المالكى بالمسئولية عن تلك الأحداث بسبب سياساته التهميشية للسنة وميليشياته الأمنية فى تصفية المعارضين, كما أن الولاياتالمتحدة, المسئول الأول عما آل إليه الوضع العراقى, بدلا من أن تتدخل للبحث عن حل سياسى, فإنها تميل إلى الحل العسكرى بعد تحريك حاملات طائراتها للخليج للتدخل إذا ساءت الأمور, وبجانب هذا كله يحاول العراقيون الأكراد توظيف تلك الأحداث للسيطرة على كركوك وكسب مزيد من الأراضى تمهيدا لإعلان الاستقلال المؤجل منذ سنوات. وهكذا يأخذ المشهد العراقى فى التعقد وتتجه الدولة نحو الانهيار, ولا أحد عاقل يبحث فى كيفية الخروج من المأزق الحالى, أو منع الوصول إلى السيناريو الكارثة, الذى لو تحقق فستكون له تداعيات خطيرة ليس فقط على العراق, إذا اندلعت حرب أهلية ستقضى على الأخضر واليابس وقد بدأت نذرها بالفعل فى عمليات القتل الجماعية سواء من جانب تنظيم داعش ضد الشيعة فى المدن التى سيطروا عليها, كما حدث فى تكريت, أو جانب القوات الحكومية التى قصفت مناطق مدنية أدت لسقوط قتلى وجرحى من المدنيين, ومن ثم سيكتوى الجميع من هذا السيناريو وسيكون الكل خاسرا فيه, بل سيمتد تأثيرها إقليميا, حيث ستتناثر شظايا الأحداث فى العراق على كثير من دول المنطقة, خاصة مع التلاحم بين الأزمة فى العراق والحرب المستعرة فى سوريا. المخرج الوحيد الآن فى العراق لمنع التقسيم والحرب الأهلية والقضاء على الإرهاب, هو إعمال لغة العقل والحوار بين القوى السياسية العراقية المختلفة للبحث عن حل سياسى يوقف حالة التدهور واحتمالات الحرب الأهلية, وهذا الحل يتمثل فى بحث مسببات الأزمة الحقيقية ومعالجتها بشكل جذرى وتصحيح الخلل فى العملية السياسية وتحقيق التوازن والمشاركة بين جميع الطوائف العراقية فى الحكم, وبحث مظالم العراقيين السنة, وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى لمواجهة واستيعاب خطر التنظيمات الإرهابية كداعش وغيرها, وإعادة بناء الجيش العراقى على أسس احترافية ومهنية وليس طائفية وإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة بكل أنواعها فى البلاد, والعمل على الحفاظ على وحدة العراق وسيادته واستقلاله, ونجاح هذا الحل يتطلب أن يأخذ نور المالكى المبادرة لإجراء حوار وطنى مع كل القوى السياسية الفاعلة فى العراق وإجراء تغييرات حقيقية فى قواعد اللعبة السياسية, وأن يكون هناك دور إيجابى مساعد من الخارج سواء من إيران أو الولاياتالمتحدة أو الدول العربية وكذلك الجامعة العربية للتدخل والوساطة بين الأطراف العراقية وإنجاح الحل السياسى. أما إذا استمر المالكى فى تعنته ونهجه فى التعامل مع الأحداث والمراهنة على الحل العسكرى والدعم الإيرانى, وإذا سعت الأطراف الإقليمية لتغذية الاستقطابات الداخلية ولعبة تصفية الحسابات, فلن يكون مفاجئا أن يصل العراق إلى السيناريو الكارثة وأن يحل تنظيم داعش محل الدولة العراقية. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد