الكلمة الصادقة مفتاح القلوب، وبدونها تكون الأغنية الوطنية ليست أكثر من طنطنة، أو رياء يهز الخصور لا القلوب. والفارق بين أغنية حب للوطن وأغنية ترويج لنظام هو أن الأولى تطفر لها من أعيننا دموع والثانية يرقص على إيقاعها المرتزقة ويصفقون, أو يطرب لها السوقة ويطبلون. ومصر منذ ثورة 1919 عرفت الأغنية الوطنية التى تقشعر لها القلوب والأرواح، وتأخذنا فى نوبة من الحماس الباكى شجناً، لا كآبة وحزناً، بل حباً وعشقاً. من منا لم ينتفض قلبه مع أغانى سيد درويش وبديع خيرى، أغانى طوائف الشعب، وأغانى الاعتزاز بالوطنية المصرية الناشئة: «الشيالين» و«الصنايعية» و«السياس» و«القلل القناوى»؟ مليحة قوى القلل القناوى رخيصة قوى القلل القناوى قرَّب حدانا وخد قلتين خسارة قرشك وحياة ولادك ع اللى ماهواش من طين بلادك دا إبن بلدك مابيبلفكشى ما تعدموشى ولا يعدمكشى دمك من دمه ما يفرقكو شى ومضى قرن وهذه الأغانى تعيش. وقد رأيت بنفسى كيف كان يتفاعل معها الشباب قبيل الثورة، أى قبل يناير 2011 بعام أو اثنين. وقال قائل إن صلاح چاهين كان بوقاً لنظام عبد الناصر، وسقط بسقوط النظام، لكن ميدان التحرير قال قولته الفصل، حين كانت أغنيتاه «بالأحضان» و«صورة» أكثر الأنغام ترددا فى ميدان الثورة، وكأن صلاح كان يرى ميدان التحرير فى شتاء 2011 حين قال فى «صورة»: يازمان صورنا.. صورنا يا زمان ح نقرّب من بعض كمان واللى ح يبعد م الميدان عمره ما ح يبان فى الصورة أما «بالأحضان» فكانت أغنية حنين للوطن، لأن صلاح چاهين كتبها بعيداً عن مصر فى زيارة لإيطاليا، ويذكرنا هذا بواحدة من أجمل الأغانى الوطنية التى أبدعتها الأجيال التالية: «يعنى إيه كلمة وطن؟» لمدحت العدل، لأننى اكتشفت أيضاً أنه كتبها مغترباً فى الخليج: واما نِسافر، والحدود يفصل ما بينها ألف ميل بنسيب سنين العمر والحلم الجميل واللا بناخد كل دول؟ هزة فرح.. أو غيم هموم واحنا بنحلم بالوصول حتى ف عرقنا فى الهدوم بتهزنا حالة شجن هو دا معنى الوطن.. وأنجبت ثورة 25 يناير أيضا شعراءها وأغانيها وموسيقييها, فغنى حازم شاهين من ألحانه وكلمات أحمد حداد: مصر بتصحا تسقى الورد وتصبّح على شعب عنيد تِدّيه شمس ف عز البرد ويغنى لها تقول له عيد وتبوسه وتقول له تسلم يا مرجعلى شبابى..إحلم ببيوت ساكنة ف دنيا سعيدة هات لى يا بكرة صفحة جديدة صوت آخر-ربما أكثرمرارة-أنجبته نفس التجربة,هو الشاعر مصطفى إبراهيم,الصوت العجيب فى جمعه بين المرارة والعذوبة,الذى كتب عن البطل المجهول فى ميدان التحرير فقال, بصوت باسم وديع ومن ألحان محمد عنتر: فلان الفلانى اللى كان يومها جنبى ساعة لما بدأوا فى ضرب الرصاص فلان الفلانى اللى مااعرفش اسمه فدايما باقول يا ابن عمى وخلاص فلان اللى ساب لى بقية سندوتشه ساعة لما شافنى باغنى وجعان فلان اللى مش فاكره..غير شكل وشه فلان اللى عدّاكى جوه الميدان(....) فلان اللى غرّق لى خل الكوفية وشالنى ساعة لما جت طلقة فيا فلان اللى مات يومها..تلزم له دية من ابن الفلان اللى كل لحمُه حاف. إنك يجب أن تكون صادقا, وعاشقاً, لكى تكتب أغنية وطنية تعيش، تعيش وتتجاوز الأنظمة والثورات والأجيال، تتجاوز كل علامات الطريق، لأنها تحيا فى وجدان الشعب تتوارثها القلوب. ولكى تستقر فى القلب لابد أولاً أن تنطلق من قلب شاعرها كالرصاصة: ياما لفيت سواح متغرب وانا دمى بحبك متشرب أبعد عنك قلبى يقرّب ويرفرف ع النيل عطشان..